هُناك ميزة هامة أقدرها في سلسلة " هاري بوتر" أكثر من أي شيء آخر ، وهو أن مشاهدوه يكبرون معه عبر سنواته ، وهي ميزة لم تتحقق بهذا الشكل في أي سلسلة سينمائية عُرِضَت يوماً ، كُنا صغاراً حين عُرِضَ الجُزء الأول عام 2001 وشاهدنا "هاري بوتر" وأصدقاءه "هيرميوني" و"رونالد" وهم في مرحلة الطفولة ، يدخلون مدرسة السّحرة .. ويبدأون في التعلم ، يُعِيدُون الفانتازيا إلى هوليوود بعد سنوات من توقفها ، ويخوضون مغامرات بسيطة تَلِيقُ بتلك البراءة التي تطبع معالمهم ومعالمنا ..
مع تطوّر أجزاء السلسلة عبر تِسع سنوات منذُ جزءها الأول ، يَكْبر هؤلاء الأطفال : الشخصيات في الفيلم .. الممثلون في الحقيقة ، ونحن كذلك ، تتغير الكثير من مفاهيمنا عن الحياة ، ويصبح العالم أكثر قَتامة عن ذلك الذي كان مُلَوَّناً في الطفولة ، وبقدر ما نَنْضُج ونتغير .. فهم أيضاً يتغيرون وينضجون ، وتختلف مغامراتهم و حتى الأشرار الذين يواجهونهم اختلفوا عن الأجزاء الأولى وأصبحوا أكثر قسوة وأكثر شراً وأكثر قدرة على إيذاء من أحببناهم ، لنتعلّم الفقد .. ونرى ديمبلدور وهو يموت في الجزء السابق ، ونفتقد روح المغامرة حين يُصبح العدو أكثر حِدّة ، وتتغيّر كل مفاهيم الطفولة ﻷن ببساطة هؤلاء الأطفال كَبروا .. ونحن كَبرنا معهم ..
في الجزء السابع من السلسلة يحاول الأصدقاء الثلاثة "هاري/هيرميوني/رون" البحث عن الهوركروكس لتدمير بقية أجزاء روح فولدمورت ، وخلال رحلتهم في هذا الجزء يدمرون "السلسلة" التي تحمل جزءً من الأجزاء السبعة ، ليصبح متبقياً فقط أربعة أجزاء ، ولكن المشكلة أن فولدمورت يتحرّك في المقابل ، حيثُ يعلم الصبية حكاية "الأخوة الثلاثة" الذين قابلوا الموت فأعطى واحداً منهم أعظم صولجان سحري وأعطى الآخر حَجَر لإحياء الموتى والثالث عباءة الاختفاء ، وهي الثلاث عطايا التي تُشَكّل "the Deathly Hallows" والتي يحاول فولدمورت الآن الحصول عليها للتخلص من هاري بوتر فيصبح بعدها سَيّد السّحرة في العالم ..
المخرج ديفيد يتس في ثالث لقاء له بهاري بوتر بعد " the Order of the Phoenix" عام 2007 و" the Half-Blood Prince" عام 2009 ، يبدو أكثر قُرباً من روح السلسلة وإلماماً بما يجب عليه أن يفعله ، لينال الفيلم نتيجة لذلك استقبالاً نقدياً وجماهيرياً أفضل من الجزئين الأخيرين ، وإن كان قد عابه قليلاً فشله في تقديم مشاهد "حركة" تليق بالعمل .. فأفسد بعض لحظات الذورة بمونتاج سيء وصورة غير واضحة للمطاردات ، ولكنه بخلاف مَشْهدي الحركة - في الغابة ومطاردة السحرة - كان متمكناً بشدة من إيقاع الفيلم ومن الإثارة العميقة التي يقدمها نتيجة لمشاعر النضوج وثُقل المسئولية التي صارت تتطبع بها الشخصيات التي تُدرك الآن - أكثر من أي وقت مضى - خطورة عدّوها ، بالإضافة لتقديمه رؤية بصرية مميزة - كعادة أجزاء السلسلة - في تعاون مُثمر مع المصوّر البرتغالي العبقري إدواردو سيرا يُزيد من قيمة الفيلم ..
وما يُزيد أيضاً من قيمة الفيلم هو ثلاث دقائق من الـ"Animation" البديع الذي تبدو فيه روح المخرج العبقري " تيم بيرتون" واضحة ، حيثُ يرفض "ديفيد يتس" أن يقدم الأسطورة الأساسية التي يقوم عليها الجزء "حكاية الأخوة وعطايا الموت" بشكل تقليدي ، فيمنحها للمخرج الرسومي "بين هيبون" الذي يقدمها بدوره في مَشهدٍ عظيم لَن يُنسى ، الكثير من النقاد رأوا أن هذا التتابع الرسومي لو كان فيلماً رسومياً قصيراً لحاز على الأوسكار ضمن فئته ، ولا أجد نفسي بعيداً عنهم .. هذا المَشهد "حكاية" تُشاهد ولا يُحكى عنها ..
بنهاية الجزء يحصل فولدمورت على "الصولجان" الأعظم الذي صَنَعه الموت ، حيثُ فضل منتجو السلسلة أن يتم تقسيم الجزء السابع من رواية الكاتبة " ج. ك. رولينج" إلى جزئين بسبب ملحمية الأحداث الختامية التي تتضمنها ، على أن يطرح الجزء الجديد في 15 يوليو 2011 والذي سيشهد المواجهة المُنتظرة بين هاري وفولدمورت وصولاً للختام ، ونظراً للتميّز الذي حمله الجزء الأول فإن تَتِمّته مُنتظرة بالتأكيد ، ولكن السبب الأهم هُوَ أنها تَتّمة السلسلة كاملة والتي ستتحول خلال سنوات ليست ببعيدة لكلاسيكية سينمائية تشكل جزءً أساسياً من ذاكرة أطفال الألفية الذين كَبروا مع أبطالها !