يعتبر بعض النقاد و أشاركهم الرأى , أن عام 2010 من أعوام الانتكاسات لفن السينما بهوليوود, ليس بصناعتها , فالصناعة الأمريكية الكبرى لم تتأثر كثيرا بالأزمات الاقتصادية العالمية , ومازالت صامدة وقادرة على ضخ مليارات الدولارات لخزانتها. إلا أن مستوى الأفلام قد تدهور مؤخرا مقارنة بأعوام مضت ... وذلك بعد أن قل انتاج مخرجى جيل السبعينيات الأكثر تميزا , أصحاب اللحى , كوبولا , سبيلبرج و سكورسيزى بعد اعتزال الأول و عودته غير الموفقة وقلة انتاج الثانى عما سبق وظهور أجيال لاحقة بالثمانينيات والتسعينيات مثل تيم بورتونوسودربرج و أوليفر ستون و تارنتينوو ريدلى سكوت وروبرت زيمكس , تتأرجح أفلامهم بين الرائع والمتواضع , وليسوا بنفس ثبات الجيل السابق , فشهدت السينما الأمريكية عصرا مزدهرا فى ظل تزامن الجيلين , أما الآن وفى ظل غياب الجيل الأول وتأرجح الجيل الثانى , تمر السينما الأمريكية بأزمة فنية ملحوظة . فلم يطل أى من مخرجين الجيل الأول بعام 2010 سوى سكورسيزى , فى حين تواجد سكوت و ستون و بورتون من الجيل الثاني .
البضاعة الأمريكية الرائجة لم تتأثر مبيعاتها ومكاسبها بهذا الانخفاض الملحوظ بالمستوى الفنى وظل الجمهور يتردد على قاعات السينما متابعا أفلام نجومه المفضلين دون توقف ليصبح عام 2010 هو العام الأكثر إيرادا للسينما الأمريكية بتاريخها بعد عام 2009 . وهذا هو الحال بالنسبة لكل عام سينمائى جديد , فكل عام جديد هو الأكثر بالايرادات فى أغلب الأحيان , وذلك بسبب زيادة أسعار التذاكر وتكاليف الأفلام وتضخم العملة, فمن المتوقع أن يكون 2011 فائقا لعام 2010 , و 2012 فائقا لكليهما وهكذا. فنجد أن إيرادات هوليوود بعام 1997 على سبيل المثال لم تتعدى الستة مليارات و نصف مليار دولار , وهو العام الذى شهد مجموعة من الأفلام الجماهيرية : تايتنك ( Titanic ) , رجال يرتدون الأسود ( Men in black ) , سرعة 2 , (Speed2 ) , حديقة الديناصورات2 (Jurassic park 2), كذاب كذاب (liar liar ) , اختطاف طائرة الرئيس (Air force one ) , خلع الوجوه (Face off ) , البركان (Volcano ), باتمان وروبن (Batman and Robin ), حرب النجوم (Star wars ), و كذلك مجموعة من الأفلام عالية الجودة الفنية مثل نظرية المؤامرة (Conspiracy theory ), فضيحة لوس أنجليس (L.A. confidential ) ,محامى الشيطان ( Devil's advocate ) ,بالإضافة لتايتنك نفسه. بينما تقترب إيرادات عام 2010 وبعد مرور 13 عاما فقط من حاجز العشر مليارات, الذى لم تتخطاه السينما الهوليودية أبدا إلا بعام 2009 وبمساهمة أفاتار ( avatar ) , حيث تخطت الإيرادات العشرة مليارات بأكثر من نصف مليار دولار... و بمجمله لم يكن عاما عظيما فنيا هو الآخر , وإن كان أفضل من لاحقه.
ولا عجب لذلك لو أضفنا لمعلوماتنا أن متوسط سعر التذكرة بعام 1997 كان 4,059 دولار وكاد يتضاعف ليصبح 7,59 دولار بعام 2010 . ولذلك فقد نلجأ لطريقة أخرى للحساب. ألا وهى عدد التذاكر المباعة, فنجد أن عام 1997 شهد بيع 387, 1 مليار تذكرة بمقابل 245, 1 مليار حتى منتصف ديسمبر 2010 , و بذلك من المحتمل أن ينتهى العام بأقل عدد مباع من التذاكر منذ عام 1995 ( 262 , 1 ) أو حتى عام 1993 , إن فشل فى تحقيق رقم 95.
وبالنظر لعدد الأفلام المنتجة ب 2010 فهى الأقل منذ عام 2002 حيث أنتجت هوليوود 495فيلم بعامنا هذا بفارق 26 فيلما عن العام الماضى و بفارق يصل إلى 136 فيلم عن عام 2007 أكثر أعوام هوليوود إنتاجا.
وفى السنوات الثلاثين الأخيرة , تقاسمت الأفلام المتألقة فنيا الصدارة مع نظيرتها التجارية , مع تفوق طفيف للثانية بسبب غزارة انتاجها. و قد نجحت كثير من الأفلام من تحقيق تلك المعادلة, حيث تصدر فيلم رجل المطر (rain man ) إيرادات عام 1988 و من قبله أى تى (E.T.) للعبقرى ستيفن سبيلبرج بعام 1982 و من بعدهما فورست جامب (Forrest Gump )رائعة روبرت زيمكس و الذى تصدر عام 1994 فنيا و تجاريا , كذلك تايتنك (Titanic ) بعام 1997 و خلفه عودة سبيلبرج بإنقاذ الجندى ريان ( saving the private Ryan )فى 1998 , كذلك حقق آخرين نجاحات مبهرة مثل على البحيرة الذهبية ( On golden pond ) , العقل الجميل (A Beautiful Mind ), شيكاجو ( Chicago).
و نجد بالمقابل , فوق فى الهواء (Up in air ) , الثور الهائج ( Raging Bull ) , جنس أكاذيب و شرائط فيديو ( Sex, Lies and videotapes ), عصابات نيويورك ( Gangs of NewYork ), مولود بالرابع من يوليو Born on the 4th of july ) ), محطة الوصول ( The terminal ) , فتاة المليون الدولار (Million dollar baby) , الطيار(The aviator), محامى الشيطان ( Devil's Advocate ) , فضيحة لوس أنجلس (L.A. confidential ) , و حتى كل من الأب الروحى الجزء الثالث (Godfather 3) و القلب الشجاع ( Brave Heart) , و جميعهم من الأفلام الفنية و الجماهيرية كذلك و لكن لم ينجح أى منهم فى الوصول لقائمة الأفلام الخمسة عشر الأوائل بعامه , و إن تواجدوا جميعا بالخمسين الأوائل.
فى حين وقع فيلم رائع مثل ميونيخ ( Munich ) للمخرج اليهودى الذى تكرر ذكره كثيرا بتلك الدراسة لقدرته الفائقة على الجمع بين الفن و الجماهيرية معا , ستيفن سبيلبرج , وقع فيلمه بالمركز 62 لعام 2005 الذى تصدرته أفلام حرب النجوم (Star wars ) , ثم أسطورة نارنيا (chronicles of Narnia ) , ومن بعدهم هارى بوتر (Harry Potter ) , ومن الملاحظ تشابه نوعية الأفلام المتصدرة للسباق . عقبهم بالمركز الرابع فيلم حرب العالم ( War of worlds ) , لنفس مخرج الرائعة ميونيخ , ستيفن سبيلبرج , والذى لا يقارن فنيا أبدا بنظيره المتأخر بجدول الايرادات. وكذلك وقع فيلم بابل (Babel) بالمركز 92 لعام 2006 فى عام تصدره فيلم قراصنة الكاريبى (Pirates of the Caribbean ) وهو من نوعية مشابهة للأفلام الثلاثة المتصدرة للعام السابق عليه.
و فى الأعوام الخمسة عشر الأخيرة لم يصل الفيلم الحائز على جائزة أوسكار أحسن فيلم لقائمة العشرة الأوائل إلا ثلاث مرات , و فشلوا بأثنى عشرة مرة , و كان ذلك بأفلام ملك الخواتم (Lord of rings 3) , الجلاد (Gladiator ) و تايتنك (Titanic )
و مما سبق نستطيع استنتاج أن قوام السينما الأمريكية وإيراداتها الهائلة لا تعتمد على جودة الفيلم فنيا , ولكن للأمر حسابات أخرى , فإذا قلنا أن السينما الأمريكية تنهار فنيا , فهذا لا يعنى أبدا أن الصناعة مهددة وإن كانت هى الأخرى أعتراها بعض الوهن كما سبق وعددنا أرقام الأفلام المنتجة وعدد التذاكر المباع.
نلاحظ أيضا أن الأعوام الأخيرة شهدت صعودا ملحوظا لأفلام الأساطير والفانتازيا التى تقوم على ضخامة الإنتاج وسحر التقنيات والخدع والجرافيكس , وأحيانا الأفكار الطفولية كذلك, مثل المتحولون بجزئيه (Transformers) , هارى بوتر بأجزائه السبعة (Harry Potter ) , أفاتار(avatar), الرجل العنكبوت بأجزائه الثلاثة (Spiderman) , مملكة الخواتم بأجزائه الثلاثة ( Lord of the rings ), قراصنة الكاريبىبأجزائه الثلاثة (Pirates of the caribbean ).
وقد بدأ هذا التحول بالذوق السينمائى منذ تسعينيات القرن الماضى حيث تبادلت أفلام واقعية وفنية مثل فورست جامب(Forrest Gump) و إنقاذ الجندى ريان (Saving the private Ryan), أو أفلام الإثارة و الحركة مثل يوم الاستقلال (Independence day)الصدارة مع تلك النوعية من الأفلام المتمثلة فى حديقة الديناصورات ( Jurassic Park ) والمنتقم (Terminator ). إلا أن الألفية الجديدة شهدت طفرة بتلك النوعية من الأفلام التى كثيرا ما تتخلى عن فنيات السينما فى مقابل الاهتمام بالابهار البصرى والتقنيات المبتكرة . وبجانب تلك الأفلام نجد أفلام الكارتون كذلك قفزت نحو القمة بالعقدين الأخيرين : قصة لعبةبأجزائه الثلاثة(Toy story) , شريك بأجزائه الأربعة (Shrek) , علاء الدين بأوائل االتسعينات(Aladdin).
وبعد استعراض أوضاع السنين الأخيرة بهوليوود , نعود سريعا لعامنا 2010 , حيث توقع العالم أجمعه إكتساحا لتقنية ال3D بعد النجاح المدوى لفيلم أفاتار (Avatar ) وتحقيقه أعلى إيرادات بتاريخ السينما عالميا , وهو فيلم متواضع فنيا الذى أعتمد على ثورة التكنولوجيا مع افتقار شديد بعناصر السينما الأساسية , كالقصة و الحبكة و التمثيل و أستعاض عنها بالابهار التكنولوجى, فكان بمثابة ثورة ضد السينما الإنسانية وانتصارا لسينما التقنيات والخدع , وبمرور الزمن ستفقد تلك الأفلام قيمتها عندما يحل محلها تقنيات أكثر حداثة وإبهارا , بعكس الفن الحقيقى الذى يبقى أبدا.
وقدمت أمريكا لجماهيرها 13 فيلما بتك التقنية , و هم link (Tron ) ... بينهم فيلم وثائقى jackass و ثلاثة أفلام كارتون و فيلمان لم يطرحا حتى كتابة تلك السطور و لكن من المحدد لهما العرض بآخر أسبوعين بالعام , ترون و نارنيا.
كان أكثرهم نجاحا أليس ببلاد العجائب للمخرج تيم بورتون , عاشق الفانتازيا , الذى حقق نجاحا هائلا وأحتل المركز الثانى بعد فيلم قصة لعبة3 (Toystory3) , وهو رابع فيلم كارتون يتصدر سوق السينما بالأعوام الثلاثين الأخيرة , وكان من ضمنهم الجزء الأول من الفيلم ذاته, علينا ملاحظة أن الفيلم الأول لعام 2010 هو فيلم كارتون , و كذلك الفيلم السادس link ( Despicable me) و الثامن شرك للأبد (Shrek forever after) و التاسع , كيف تدرب تنينك(How to train your dragon? ). وقد يكون هذا النجاح المتصاعد لأفلام الكارتون والذى تختلف عملية صناعته عن صناعة السينما جذريا , حتى أنه يعتبر فنا قائما بذاته, بسبب تدهور مستوى الأفلام و افتقادها لأفكار مبتكرة كتلك التى يعرضها فن الكارتون حيث أستطاع جذب المشاهدين بعدما أنتشت صناعته و تخلصت من داء التكرار واستطاعت ابتكار نوعيات جديدة من الأفلام تمتزج بها الأفكار الإنسانية بالصيغ البسيطة حتى تصلح للكبار والصغار معا, و أستغلت ابتكارات التكنولوجيا ذاتها فاستفادت من ال 3d وطعمت بها أفلامها. فالسينما الأمريكية تلجأ لأفلام الكارتون والأفلام ثلاثية الأبعاد مدارية بها قصورها الفنى الواضح.
وبخلاف أليس فى بلاد العجائب وأفلام الكارتون الثلاث والفيلم الوثائقى , جاء فيلم ) صراع الآلهة (Clash of titans ) بالمركز الحادى عشر والرابع بين الأفلام ثلاثية الأبعاد. والذى يشارك ببطولته المخضرم ليام نيسون, ولم يكن الفيلم معدا للتصوير بتلك التقنية من الأساس, ولكن بعد انتهاء تصويره , لجأ المنتجون لتغيير بعض الأجزاء لتكون ثلاثية الأبعاد , و لذلك لم يستفد الفيلم من هذا التغيير لأن استغلال التقنية كان ضعيفا جدا وبمشاهد محدودة. الفيلم من أفلام الأساطير الإغريقية , كان من الممكن أن يبدو بشكل أفضل لما بالقصة من إثارة و تجديد, و لكنه بمجمله كان فيلما تستمع بمشاهدته لمرة واحدة. أما عن المنشار (Saw), فكان من المتوقع له نجاحا باهرا بفضل نجاح سلسلة أفلامه من قبل إلا أنه لم يحقق هذا النجاح المتوقع, بعد إنصراف الكثيرين عن متابعة السلسلة شديدة الدموية والتقزز. كذلك أتى خطوة للأمام (Step up) بالمركز ال63 وهو جزء ثالث من سلسلة أفلام الرقص الشهيرة , أما فيلم الرعب بيرانا (Piranha) و الذى يتشابه وأفلام الفك المفترس فقد قبع بالمركز 92 . ومن المحدد عرض , أسطورة نارنيا ( (The Chronicles of Narnia بالأسبوعين الأخيريين بالعام وبالطبع سيحقق إيرادات كبيرة ينافس بها على قمة الشباك ككل أبناء نوعيته.
وسنعرض بالجزء الثانى من تحليل العام الهوليوودى نظرة إلى أبرز أفلامه و إحبطاته.