ألقى حادث الإسكندرية الأليم بظلال قاتمة على المجتمع المصري، واغتال فرحة الشعب باستقبال عام جديد، وأصاب الكثيرون بموجة عارمة من الغضب والإحباط، الذي سيحوله العقلاء إلى طاقة إيجابية لمحاولة رأب الصدع وإستعادة النسيج الواحد بعيداً عن شعارات الوحدة الوطنية التي منذ أن سمعناها وداء الفتنة الطائفية ينخر في عظام وطننا.
أما الحمقى فسيحولون تلك الموجة إلى طاقة عمياء من القتل والدمار و الإنتقام، وستكتفي أجهزة الدولة ببث اللقاءات المشتركة لرجال الدين المسيحي والإسلامي، وتلك القبلات المتبادلة - التي تشبه الخدع السينمائية - بينما في القلب نار، وهنا يبرز دور هام جدا للسينما كأداة تثقيف وإفاقة للوعي العام.
حيث أن السينما المصرية منذ بدايتها مع نهاية الربع الأول من القرن الماضي لم تلتفت كثيراً لتلك القضية، ويعود هذا إلى أن المجتمع المصري فيما سبق بداية السبعينيات لم يكن يعرف الفارق بين المسلم والمسيحي - وكذلك اليهودي قبل الخمسينيات - واكتفت السينما فقط بتنميط شكل المسيحي الأجنبي مع منحه اللقب الأشهر " خواجة" وكان المقصود من التنميط إثبات عدم المصرية بغض النظر عن الدين.
وتعتبر سلسلة أفلام ثلاثية محفوظ التي دارت بين مشاهدها ثورة 19 هي الإشارة الكبري للوحدة في المشهد المتبادل لشيخ يخطب في كنيسة وقسيس يخطب في جامع، مع إرتفاع شعار الثورة الأشهر والأطهر "عاش الهلال مع الصليب" وهو الشعار الذي خرج تاريخيا لمقاومة محاولات المحتل الإنجليزي في بث روح الفرقة في بدايات القرن العشرين بين عنصري الآمة.
وحتى بعد تفجر الأزمة في الربع الأخير من القرن الماضي حرصت الرقابة على تقييد يد السينما في مناقشته واكتفت فقط بإطلاق بعض الأفلام الساذجة المسيسة على نمط الفيلم الأشهر حسن ومرقص الذي قام ببطولته نجمان من أكبر نجوم السينما المصرية في تاريخها - عمر الشريف و عادل إمام - إلا أن مضمونه السطحي وتناوله الساذج أعطى أثراً عكسياً، وفي المقابل رفضت الرقابة كل الأفلام الأخرى التي تناولت القضية بواقعية وكشفت إشتعال الشرر وكشفت أسبابه حتى يضع المجتمع يده عليها ويعالجها.
وقامت الدراما التليفزيونية بالدور الأكبر في مناقشة تلك القضية من خلال المعالجات النمطية للصديق المسيحي الوفي - مسلسل الدالي كمثال - أو الاسرة المسيحية الملتزمة أو المتزمتة، و كان مسلسلها الأشهر هو اوان الورد الذي ناقش قضية تثير الكثير من الازمات في الاونة الاخيرة وهي زواج المسلم من المسيحية والذي قام ببطولته النجمة يسرا والفنان هشام عبدالحميد، ولكن المسلسل الذي كتبه وحيد حامد هتك عرض القضية باتجاه بوليس بحت للبحث عن الطفل المخطوف من تلك العائلة - وزاد الطين بلة مسابقات "اعرف الخاطف - .
ويتبقى فيلم بحب السيما كأحد العلامات المضيئة التي تناولت أسرة مسيحية حقيقية مصرية جدا تعاني من أزماتها وتناقشها ، وان كان التناول الدرامي في الفيلم خارج إطار القضية التي نناقشها في تلك المقالة عن العلاقة بين المصريين والمسيحيين - ويبدو أن هذا ما شجع الرقابة على قبوله -، لهذا نحن في إنتظار قرار شجاع بإطلاق يد المبدعين لكشف المستور والإرتقاء بمستوى الوعي عن طريق افلام حقيقية وتعالج القضية - بعيدا عن المسيحي الساذج والصديق الوفي والدموع التي تفر من عينيه على صديقه المسلم - وتقدمها ليطمئن العقلاء ويتعلم الحمقى أن مصر ستبقى مصر، الأمة الواحدة التي لم ولن يفرقها حتى الطوفان.