عمرو سلامة يكتب : فيلمي ''لا مؤاخذة'' و الرفض الرقابي لأسباب دينية

  • مقال
  • 01:42 مساءً - 10 يناير 2011
  • 2 صورتين



صورة 1 / 2:
عمرو سلامة
صورة 2 / 2:
عمرو سلامة : فيلمي "لا مؤاخذة" و الرفض الرقابي لأسباب دينية

أتمنى أن أحتفظ بهذه المقالة لقرائتها في المستقبل، لأنظر وقتها كيف كان حالنا في الماضي و أحمد الله على حاضر مازال مستقبلا، حينما يصبح لدينا كلنا عقول متفتحة و ثقة في عقول الآخرين، و أتهكم من الماضي الذي مازال حاضر حينما يظن البعض أنهم أهلا لرفض أو قمع، أو أنهم قوامون على باقي البشر ليقررون ما هم مستعدين لسماعة و ما الذي يجب أن يمنع للوصول لعقولهم.
كفنان متفائل أو ساذج كما يصفني البعض، قررت كتابة فيلم سينمائي ساخر كوميدي صادم ليناقش قضية التمييز الصامت - كما أسميها - بين المسلمين و المسيحيين في مجتمعنا العزيز، لأحاول فيها أن أبدأ بحل المشكلة، ليس بتقديم حلول، بل للكشف عنها و عن الواقع الذي نحياه، لظنا مني أن أول خطوات حل أي مشكلة هو الإعتراف بها و إقتناعي أن لن تحل مشكلة أبدا إن ظن أصحابها أنها ليست موجودة.
وكتبت فيلما طويلا إستغرقت في كتابته حوالي العام، من التفكير و التحضير و الكتابة الفعلية و إعادة الكتابة. لأكتب فيلما يظن معظم من قرأوه أنه من أفضل ما كتبت الحمد لله.

وعندما كانوا يتسائلون، هل ستوافق الرقابة على فيلما كهذا، كنت أقول لهم أنني متأكد أنهم إن أكملوه سيفهمون مغزاه حتى لو كان مستتر بعض الشيء و أنهم سيعتبروه من أول خطوات الحل و قد يدفع الناس للتكلم و سيساعدون على بدء المواجهة الحميدة بين أصحاب الديانتين عندما يعلمون كيف يفكر كل منهم في الآخر. و كان أصدقائى يظنون أن تفاؤلي و عشمي في الرقابة مبالغ فيه، و خصوصا أن كاتب الفيلم مسلم و ليس مسيحي.

ولكن من أكثر ما حمسني لكتابة هذا الفيلم كوني مسلم، لأنني إن دافعت عن حقوق المسيحيين سيكون لي مصداقية أكثر، و لن يتهم أي من المسلمين الفيلم بالتحيز للمسيحيين.
وخوفا مني شخصيا على جرح مشاعر المسيحيين عرضت على الكثير من أصدقائى المسيحيين قرائة الفيلم، و كلهم بلا إستثناء عندما قرأوه حيوني، و شكروني، و قالولي "إحنا خايفين عليك من المسلمين المتشددين" و عندما جعلت أصدقائي الملتزمين نسبيا يقرئون الفيلم كلهم قالولي "المسيحيين موافقين على الكلام ده؟" فقلت لنفسي الحمد لله كل واحد حاسس إن الفيلم في صفه، لإنه في الحقيقة في صف الحق.

وقصة الفيلم ببساطة عن طفل مسيحي من الطبقة العليا، يحيى حياة مرفهة و يذهب لمدرسة أجنبية، و عندما توفى والده إضطر لدخول مدرسة حكومية أفقر من مدرسته الأولى، و يقوم الأطفال بالتهكم عليه و السخرية منه في أول أيامه بسبب أنه من طبقة أخرى، لبسه مختلف و طريقة كلامه مختلفة و حتى ساندوتشاته مختلفة أيضا، و عندما تأتي حصة الدين يقرأ الأستاذ كل الأسامي و لا يلحظ أن البطل مسيحي بسبب إسمه المشابه لأسامي المسلمين فيقول ببساطة "الحمد لله كلنا مسلمين" فيخاف البطل أن يفصح عن كونه مسيحيا و يتظاهر بأنه مسلم طوال السنة، و يبالغ في تدينه خوفا من كشف أمره. وتكتمل الأحداث في شكل كوميدي ساخر، مما يجعل البطل يكتشف العالم الآخر و يعلم ما يقوله المسلمين في الأحاديث الجانبية عن المسيحيين، و خصوصا أنهم أطفال بلا تربية أو تعليم على مستوى جيد، و على الصعيد الآخر في حياته العادية نرى الكلام المستتر من المسيحيين المتشددين. وتكتمل الأحداث إلى أن ينتهي الفيلم بشكل يثبت أن التمييز الصامت، السلبي، و المستتر قد يكون أعنف و أخطر من الإضطهاد و العنف في بعض الأحيان، و أن الحل في المساواة العمياء عن أي دين و الحب بدون إثبات تطابق العبادات، بدون شعارات أو كلام قديم مبتذل.

وعندما قدمت الفيلم رفض رفضا قاطعا، و عندما ذهبت لأناقشهم فيه، و جلست مع الرقباء لعدة ساعات، عشت أسوأ ساعات حياتي بلا منافسة، و إكتشفت الهوة العميقة بيني و بين توقعاتي، ظنا منهم "لمراعاة مشاعر المسيحيين" و "للحفاظ على سمعة مصر" و "مش كل ما يحصل في الحقيقة يحصل على الشاشة" و "مصر عمر ما حصل فيها تمييز لا سلبي و لا إيجابي و لا حتى جوا النفوس" و "طول عمر المسلم و المسيحي عايشين إيد واحدة" و أخيرا "إحنا يا إبني لو وافقنا على فيلمك نقفل الرقابة أحسن و نشوفلنا كلنا شغلانات ثانية"... طبعا من وجهة نظرهم التي يجب أن أحترمها هم يدافعون عن الوطن، و بنفس الأسباب رفض الفيلم من لجنة التظلمات المحترمة و المبجلة غصب عني.

وطبعا من وجهة نظري المتطرفة يمكن.. الرومانسية جايز.. الحالمة مش هنقول لأ.. أنا لا أتفق مع آرائهم لواحد من الألف.
أولا المسيحيين يوميا بيسمعوا كل الكلام اللي بيتقال في الفيلم ده، و فيلمي لا يختلق أي منهم، و عندما قرأ أصدقائي المسيحيين الفيلم كانوا يضيفون كلاما لم أكن أظن أنهم يعلموه و كلام يسمعونه لم أسمعه أنا نفسي.
سمعة مصر هتلاقوها على لسان كل أجنبي زارها، على كل موقع عالمي بيحذر السياح من التحرش و التطرف و السرقة و الرشاوي اللي هتطلب منه في كل خطوة، سمعة مصر في جرايد المعارضة و التوك شو، سمعة مصر للأسف من عمايلها على كل لسان، سمعة مصر مش هتتحسن إلا لما نناقش مشاكلها و نحلها، أمريكا معظم أفلامها إنتقاد لأوضاعها، مش خايفين على سمعتهم، بالعكس ده بيظهرهم قدام العالم إنه شعب بيعالج أخطاؤه و بيجلد نفسه على الجرايم اللي بيرتكبها.
أما عن الشعارات بتاعت المحبة فكلها إتفقست بعد الحادث الأخير، و شوفنا على الفيس بوك بس البلاعة اللي إنفجرت من أفكار متطرفة ظهرت، من أول المسلمين اللي محرمين أي نوع من أنواع التعاطف من المسلمين للمسيحيين و رموزهم و إحتفالاتهم، لمسيحيين إن كان عليهم يطردوا المسلمين من البلد لإنها بلدهم.
لما عملنا فيديو بيحث الناس على الإحتفال مع المسيحيين إخواتنا و شركاتنا في الوطن و إرجاع الشعارات القديمة مثل "الدين لله و الوطن للجميع" و "إرفاع الهلال مع الصليب" لقينا ناس كثير سابت الموضوع و ركزوا مع حرمانية إشراك الهلال مع الصليب و الإحتفال مع المسيحيين، كإن ده وقته، و كإن صرخة البنت "أبويا مات" في الفيديو الشهير لم تجعل إهتمامهم ينصب على إظهار التعاطف و التراحم و الإيمان بفكرة أن من مات مصري شريك في هذه البلد بغض النظر عن دينه.
طبعا العقلاء كانوا بيقولوا كلام عقلاني متحضر بيأكد على التسامح و الحب، من الطرفين، بس ظهر على النقيض مقدار الكبت و التعصب اللي تحت الرماد عشان ماحدش سايبه يبان و يتعالج، ما هو طول ما حاصل صمت يستحيل العلاج، ينفع تروح عند دكتور يقولك عندك إيه ماتردش عليه خوفا على سمعتك عشان مايتقلش عليك عيان؟
وأنا مش مع إن حد يتقطع عيشة، بس فعلا أنا ضد الرقابة فكرة و مضمونا، أنا فنان و رقيب على ما بقدمه بناء على أفكاري و إيماناتي، و المتفرج رقيب على اللي بيسمح لنفسه إنه يتفرج عليه، و خصوصا إنه لو عايز يشوف كهول يمارسون الفحشاء مع الحيوانات الضالة هيدخل على النت و يلاقي فيديوهات للصبح، الرقابة أصبحت فكرة غير منطقية في هذا العصر، و إن كانت تدل فتدل فقط على حجر و سيطرة غير واقعية على عقول الناس.

وإن كان الناس سيقبلون على الجنس إن قدم لهم، فعالجوا مشكلة الكبت الجنسي و المشاكل الإقتصادية المسببة لعدم الزواج، إن كانوا سيثورون لو تكلمنا عن الطائفية، فعالجوا أسبابها و إمحوا الغضب المكبوت و علموا الناس صح يعني إيه دين و سماحة، و إن كان الشعب سينزعج من فكرة وجود العنف يبقى يرفض الفيلم و مايروحوش.
وأعتقد إن رفض الفيلم ما منعش الحادث المأساوي المكئب اللي حصل، مامنعش التطرف يبان بعديه، ما منعش إننا كلنا خفنا من فتنة كان ممكن تحصل، ما منعش أحداث جانبية أسوأ من قبل.
ولسه متفائل إني هعمل الفيلم في يوم من الأيام، لسة ماعرفش إزاي أو إمتى، بس يومها هكتب قبله إنه رفض من مصر أيام ما كان فيها عقول الناس ملفوف حوليها سور، لإني هعلموا في يوم هيتهد فيه الأسوار... و الأصنام.

ملحوظة : قمنا بحذف صفحة الفيلم أمس من على موقع "السينما . كوم" وكلنا حزن وأسى.

وصلات



تعليقات