يؤكد الكاتب محفوظ عبدالرحمن عشقه المبكر للمسرح، على الرغم انه بدأ حياته الأدبية في كتابة القصة القصيرة، وقال، في حديث خاص إلى "السينما . كوم" إن "للمسرح دور أهم من كل البرلمانات العربية فهو يعلمنا لغة الحوار والديمقراطية"، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن أزمة المسرح لا تنفصل عن أزماتنا الحياتية والسياسية. في ما يلي نص الحوار:
*عرفت بعشقك المبكر للمسرح، حدثنا عن هذا العشق .
أخذني والدي وأنا طفل في الثامنة من عمري لحضور مسرحية ل نجيب الريحاني عنوانها "ثلاثون يوما في السجن" واعتقد إنني نمت بعد حوالي ربع ساعة من العرض، لكن ما رأيته من هذا العمل ما يزال حاضرا في ذاكرتي حتى الآن . واعتقد أن هناك موهبة للكتابة المسرحية وأخرى لمشاهدة المسرح وحتى قراءته، وأنا أتمتع بتلك الموهبة الأخرى رغم كتابتي للمسرح ، اغلب أصدقائي من المثقفين يجمعون على الاستمتاع بقراءة الرواية مثلا لكنني حقا استمتع أكثر بقراءة النصوص المسرحية .
وأضاف: ولي مجموعتان قصصيتان هما البحث عن المجهول وأربعة فصول شتاء ورواية يتيمة باسم اليوم الثالث ولاحقا تملكتني رغبة الكتابة للمسرح وكتبت عددا من المسرحيات ذات الفصل الواحد، ونشرت بعضها، لكنني فوجئت بأول مسرحية أرسلتها للنشر في إحدى الدوريات أنها طبعت تحت مانشيت قصة قصيرة، وبعد تأمل طويل اكتشفت أنها فعلا كانت قصة ، وإنني كتبت بعض نصوصي المسرحية كقصص ، كما كتبت بعض قصصي كنصوص مسرحية، لكنني تعلمت كثيرا من هذه التجربة، وما يزال يزعجني الخلط الشديد بين الأجناس الأدبية لدى بعض كتابنا. نشرت مسرحيتي التالية بعنوان "اللبلاب" وقدمتها للمسرح بناء على طلب احد أصدقائي وبعد مدة فوجئت باتصال هاتفي يأتيني على عملي في دار الوثائق المصرية ليقول المتحدث: أنا المخرج كمال حسين قرأت مسرحيتك وارغب أن نعملها للمسرح، لذا أرجو أن نتقابل وفعلا تقابلت مع كمال حسين. وبعد الموافقة على النص، ومتابعة الكثير من التفاصيل والبروفات، وقبل عرض البروفة الجنرال، فوجئت بأن لجنة مراقبة العرض قررت منعها، وكان ذلك في العام 1963 ، فيما بعد حصل ذلك معي في المسرح وفي التلفزيون عشرات المرات ، وأنا الآن مدرك لطبيعة هذه الأشياء ومستوعب لها ، لكنني في تلك التجربة الأولى أصبت بصدمة جامدة، منعتني من محاولة الكتابة للمسرح 11 سنة ولما عدت إلى القراءة كنت في ظرف خاص، وأثناء سفري خارج مصر حيث توقفت الطائرة لساعة أو أكثر في مطار كئيب جلست وكتبت مسرحية حفلة على الخازوق بالطبع كان سهلا علي فيما بعد كتابة باقي الفصول .. ومن ثم استعدت قدرتي على الكتابة المسرحية مجددا .
*كتبت للتلفزيون منذ العام 1965 ماذا عن هذه التجربة؟
- لقد كتبت للتلفزيون منذ وقت مبكر جداً في العام 1965 ، ولكن التلفزيون فيه جانب استهلاكي كبير، فمهما يكون مستوى العمل التلفزيوني كبيراً، والجهد الذي تبذله عظيماً إلا أنه في النهاية يضيع، لأن التلفزيون ليس له ذاكرة قوية، أو لنقل ذاكرة هشة. فمنذ بداية 1965 حتى العام 1975 هي مرحلة بداية الكتابة للتلفزيون، إن أول مسلسل تاريخي كان عن " سليمان الحلبي" في العام 1975، وكان هذا مسلسلاً مهماً، ثم تلاه في العام التالي مسلسل عن " عنترة". وبعد ذلك كنت أكتب بمعدل مسلسل في كل سنة أو سنتين وأحياناً كل ثلاث سنوات حسب الظروف الإنتاجية. أنا أعتقد أن " ليلة سقوط غرناطة" هو من أهم المسلسلات التي كتبتها في العام 1981 ، ويتناول هذا المسلسل الليلة الأخيرة في غرناطة قبل سقوطها أو قبل تسليمها إلى يد الأسبان، ثم كتبت "الكتابة على لحم يحترق". ويتناول هذا المسلسل المهم موضوع مواجهة العالم العربي للحلف الفرنجي المغولي، كما كتبت مسلسل " بوابة الحلواني" وهذا المسلسل أعتبره من الأعمال القريبة إلى نفسي أيضاً، وربما يكون الأشهر لي مسلسل " أم كلثوم " .
*هل تختلف تجربتك في الكتابة التلفزيونية عن تجربتك في الكتابة السينمائية؟
- لقد كتبت جميع أنواع الكتابة، وبرأيي الكاتب يستطيع أن يكتب في كل مجال، ولكن شرط أن يكون في لحظة الكتابة في مجال معين، ومدركاً لشروط الكتابة في هذا المجال، متجنباً الخلط بين الأنواع التي يكتب فيها. أحياناً يحصل خطأ كأن تخرج من المسرح لتكتب للتلفزيون وتستخدم مفردات المسرح أو بالعكس، الكتابة قد تكون ناجمة عن ثقافة أو عن حصيلة كبيرة من المعلومات، لكنها ليست كافية ما لم تكون ناجمة عن حس. وأنا أمتلك هذا الحس الذي يجعلني مرة أكون كاتباً للمسرح ومرة للسينما وثالثة للتلفزيون ورابعة للإذاعة ، لكنني عندما أكتب للتلفزيون أنسى أنني أكتب للإذاعة أو السينما أو المسرح، هذا الحس موجود عندي في ثلاثة مجالات على الأقل وهي المسرح والتلفزيون والإذاعة،حقيقة علاقتي بالسينما ليست كبيرة. لقد كتبت عدة أفلام، أهما هي سيناريوهات أفلام " القادسية" و" ناصر 56" و" العندليب".
وأريد أن اذكر لك انه رغم كتاباتي الكثيرة للمسرح منذ "حفلة على الخازوق" وحتى مسرحية "السلطان يلهو" مرورا بأعمالي الكبرى "كوكب الفئران" و" عريس لبنت السلطان" و"الحامي والحرامي" و"محاكمة السيد ميم" و"ما أجملنا "و"بلقيس و"السندباد البحري "و"احذروا " فما زلت معروفا ككاتب درامي * كيف تقيّم واقع الدراما التلفزيونية العربية؟
- أعتقد أن الدراما العربية متكاملة، وليس هناك تنافس بالمعنى الحقيقي، قد نجد مثلا تنافس بين الدراما السورية والسورية أو بين المصرية والمصرية لا أكثر.. أتمنى أن تكون الدراما العربية كتلة واحدة ونحن نعيش في عصر العولمة، وعصر الكيانات الكبيرة، وعلينا أن نواجه هذا العصر بقوة، لأنه لو استمرت الدراما العربية بهذا التمزق فلن نستطيع أن نواجه العالم، ونبقى نتفرج على الدراما الرديئة والمسلسلات المدبلجة التي تهددنا جميعاً. لقد رأيت جميع أنواع الدراما العربية، وأستطيع القول من دون تردد أن هناك مسلسلات جيدة، لكن المسلسلات الرديئة أكثر، والأعمال الرديئة ليست محصورة عندنا فقط وإنما هي موجودة في كل العالم ولقد شاهدت دراما أمريكية غاية في الرداءة مثلما ما هو يتوفر عندنا أيضاً. أعمالنا الدرامية فيها تسرّع كثي، وهي غالباً ما تكون في يد من لا يدرك أهميتها ولذلك يتدنى مستواها عاماً بعد عام. وحتى الجيد منها ينسحب إلى القاع. أظن أن المشكلة إدارية، وحل هذه المشكلة ليس أمراً مستحيلاً.
* لنعد إلى المسرح هل تعتقد أن أزمة المسرح يمكن أن تنفصل عن أزماتنا الحياتية ؟
- أريد أن اذكر لك قصة في احد الأيام كنت مدعوا لحضور احد المهرجانات المسرحية مع صديق لي التقينا بأحد معارفه في مطار القاهرة واخذ يقدمني له .. مش فاكر محفوظ عبد الرحمن .. واخذ يعدد له أعمالي السينمائية والدرامية والتفت هذا الشخص إلي قائلا .. لكن إيه يلي موّديك مهرجان المسرح؟!
لذلك أرى أن أزمة المسرح لاتنفصل عن أزماتنا الحياتية والسياسية ،ففي الستينات كنا نعيش نهوض وكان لدينا الكثير من الأحلام ، لذلك كنا نحس بالعزة والافتخار، كنا نشعر أننا أقوياء وأصحاب قضايا، الآن يتملكنا إحساس عميق بالفشل أو الخيبة مرده اعتقاد البعض بان أحلامنا لم تكن أكثر من أوهام ، هؤلاء كانوا يرجون للهزيمة من دون أن نتجاهل اثر العوامل الخارجية بالطبع . وكان يمكن لنا أن نحقق المزيد من النهوض والانتصارات لكن المناخ العام الذي وضعتنا فيه الأنظمة العربية التي رأت في الثقافة خطرا على وجودها ومصالحها، جعلت الثقافة والمثقفين والمسرح بشكل خاص تعيش على هامش حياتنا .
*ماذا عن حال المسرح المعاصر ؟
- المسرح تعبير عن الناس، وعندما لا يكون كذلك تنفضّ الناس عنه، وبناء هذا المسرح ينطلق من فكرة ومن نص ، لكن متابعة العروض الجديدة تكشف لنا حرصا زائدا على استخدام لغة الجسد ، حرصا يبلغ حدّ الثرثرة في هذه اللغة، ونحن نعلم أن المخرج منذ بدايات فن التمثيل كان عليه الاهتمام بلغة الجسد لكن عندما تكون هذه اللغة بديلا كاملا عن لغة الحوار ولغة المسرح فانا أحس بالاهانة ،اهانة المسرح والمقدسات. أنا متابع للمسرح وان بدرجة اقل مما مضى واكتشف إن بعض الأعمال تكاد تصيبني بالمرض، واقرأ، في إعلانات الصحف عن المسرح فأجد ممثلا كان يعمل كومبارسا لبعض المسرحيات ، وإذا به يؤلف ويخرج ويمثل في ثلاثة أعمال مجتمعة في الموسم الواحد وهذا إسفاف بحق المسرح ، مع ذلك هناك عروض قليلة جيدة، واعترف إنني في الموسم قبل الماضي شاهدت عرضا متميزا اسمه " قهوة سادة" من إخراج خالد جلال، ومع إنني ارفض فكرة الورشة أساسا، لكن هذه المحاولة كانت جيدة، وهي بكائية على الزمن الجميل الذي مضى، زمن المسرح والسينما، وهي أيضا سخرية وانتقاد مما هو سائد، ودور الرأسمال الخليجي في تخريب الفن حيث نرى ممثلا خليجيا يريد أن يتنطح لتأدية دور عبد الناصر مثلا، وآخر يختار دور جيفارا، صارخا حتى جيفارا بالذات؟
*كيف ترى علاقة الشباب بالمسرح ؟
- المسرح وكل الفنون الأخرى وحتى الحياة تحتاج باستمرار للشباب ولابد من إعطاء فرصة لهم للتعبير عن مشاكلهم وأفكارهم ، لكن من حقهم علينا أن نسمعهم أيضا آراءنا وملاحظاتنا في ما يقدمون وهذا الجدل بين الجيلين والتجربتين أساسي في المسرح ، وأنا اعتقد أن للمسرح دور أهم من كل البرلمانات العربية فهو يعلمنا لغة الحوار ويعلمنا الديمقراطية والحقيقة .
*كيف تصف علاقتك بالمهرجانات المسرحية ؟
- في حياة كل إنسان أيام قليلة لا يمكن أن تنسى مهما حصل ومن هذه الأيام في حياتي واحد في 1976 عندما جئت إلى مهرجان دمشق المسرحي وكنت مشاركا في مسرحية "حفلة على الخازوق" كانت أول مرة ازور دمشق وأول مرة تقدم هذه المسرحية، وأول مشاركة لي في مهرجان مسرحي، وأول مرة اكتشف أن الناس من حولي كلهم مفتونون بالعرض، وكيف انسى كل ذلك .
يشار إلى أن الكاتب عبد الرحمن بدأ في كتابة القصة القصيرة لكنه اتجه مبكرا إلى الكتابة الدرامية بكل أنواعها لاسيما الدراما الإذاعية والتلفزيونية كما كتب للمسرح والسينما وعمل في النقد وفي مجال الصحافة لكنه يعترف بعشقه المبكر للمسرح .