قرأت خبر غريب نشر في جريدة الوفد المصرية بتاريخ 13 ينارير الجاري , حول مطالبة عدد من المنتجين السينمائيين بمنع عرض الفيلم المصري حاوي في صالات السينما بدعوي انه فيلماً من نوعية الافلام قليلة التكلفة ,التي قد تؤثر كما يقول المنتجين علي أعمالهم الاخري التي تجاوزوا في انتاجها حاجز الملايين من الجنيهات وهي في الحقيقة ملايين تصرف نظير التقاط الفنان "الفولاني" صاحب اعلي مبيعات للقنوات الفضائية او نجم الشباك هذا صاحب اعلي ايراد , فهذه الملايين التي يتحدثون عنها لا تدفع كي يخرج العمل السينمائي في صورة لا اقول مشرفة لتاريخ السينما المصرية ولكن صورة جيدة تحترم جهد المشاهد الذي يتردد علي صالة السينما التي أصبحت معظمها فارغة عدا صالات عرض الافلام الامريكية , الخبر لم يكن فقط يخص عرقلة عرض فيلم حاوي للمخرج ابراهيم البطوط ، ولكن الهجوم المباشر الذي أفصح عنه عدد من منتجي السينما وابدوا تخوفهم من انتشاره وكأنه يهدم صناعة السينما ,هو في الحقيقة لا يشكل خطراً علي الكيانات الكبري المسيطرة والمحتكرة لدور العرض قدر ما يشكل دعم قوي يرفع من مستوي الفيلم المصري وخصوصاً عندما يمثل مصر في المهرجانات الدولية التي يصعب علي معظم الأفلام التجارية المشاركة فيها , لان الافلام التجارية دائما ما تكون ذات طبيعة خاصة تعتمد علي متغيرات الذوق العام او كما يسمونه نظرية العرض والطلب , أما هذه النوعية ذات الانتاج المتواضع التي تحاول باستمرار التجويد في اختيار الموضوعات الخصبة او في الارتقاء بالمستوي الفني لها وايضا في انتقاء عناصر فنية من الشباب الموهوب المغمور , هذا التيار الذي بدا ينتعش محلياً بعد حملات الاهتمام الاعلامي المفاجيء التي سرقت بعض الاضواء من النوعيات التجارية الاخري التي ساعد انحدار نجاحها مع الوقت علي ازدهار تيار السينما الحرة او السينما المستقلة , وخلق قليل من الوعي عند المتلقي بالتعريف بهذا النوع السينمائي الحديث , وكان حصاد السينمائيين المستقلين في المهرجانات الدولية عام 2010 ربما هو الشرارة التي انذرت تجار السينما المحترفين لحتمية وجود صناعة مختلفة بدأت تتخذ مكانة عالمية ولا أقول تنافس الافلام التجارية لكنها تخلق لنفسها مسار خاص و مختلف عن استهلاك الفيلم التجاري, وأختلف جدياً مع من يطلق عليها مصطلح سينما بديلة , فهي أعمال ليست بديلة عن نوع اخر قد تلغيه اذا ما انتشرت بكثافة في المستقبل , لكنها نوع من انواع صناعة الفيلم علي أختلاف أشكالها وأدواتها وموضوعاتها تقدم ناتج فني محدد وهو في النهاية فيلم سينمائي , بالاضافة الي ان معظم هذه النوعيات التي صورت باستخدام تقنية الديجيتال يتم فيما بعد تحويلها الي 35 مم لتسهيل عرضها علي شاشة السينما التي لا تمتلك الي الأن امكانيات عرض الديجيتال .
حاوي يشارك في المهرجانات ويحصد الجوائز
حاوي الذي يستعد حالياً للمشاركة في فعاليات الدورة القادمة من مهرجان روتردام السينمائي الدولي حصد العام الماضي الجائزة الكبري في مهرجان الدوحة ترايبكا , وهو التجربة الثالثة للمخرج ابراهيم البطوط بعد فيلمه الاول ايثاكي وفيلمه الثاني عين شمسالذي تعرض لسنوات الي حملة من الصد والرفض من عدة جهات , بعضها وقف في وجه الفيلم بشكل علني حتي لا يعرض في مصر وبعضها كان يدبر المكائد من وراء الستار ويحاول اخماد الشرارة التي اطلقها البطوط بفيلم عين شمس الذي يمثل اول طريق حقيقي شقته السينما المستقلة في مصر , حيث قدم فيلماً غير تقليدياً من ناحية السيناريو المرتجل معظمه اثناء التصوير والتمثيل التلقائي لمجموعة غير محترفة التمثيل والانتاج المتواضع القائم علي جهود الاصدقاء وتعاونهم ومشاركتهم لبعض في حب السينما , عين شمس لم يكن مجرد فيلماً متواضع الانتاج تمت محاربته لمنع عرضه في مصر بزعم عدم وجود تصاريح له من الجهات المختصة, لكنه كان بداية اجبارية لمنتجي السينما المحدودين كي يؤمنوا بوجود سينمائيين أخرين يمتلكون من الموهبة والاصرار والابتكار ما يؤهلهم لصنع سينما من نوع مختلف عما أصبحت عليه السينما المصرية الأن من أفلام نخجل من أن نتجادل في شأنها أو من أن نتناولها بالتحليل , اما صناع السينما الجدد اللذين يطلقون علي أنفسهم جيل السينما المستقلة يواصلون منذ انطلاق الشرارة الاولي وهي عرض فيلم عين شمس بشكل تجاري في دور العرض , يواصلون تصديهم لعرقلة بعد جهات الانتاج الكبري لأعمالهم والتي تختلف أشكالها تبعاُ لاختلاف مرحلة تناول العمل , فمثلاً كانت الرقابة هي حائط الصد الأول الذي واجه دخول فيلم عين شمس الي مصر بدعوي انه لم يتخذ المسار الشرعي لانتاج فيلم , أي موافقة الرقابة علي السيناريو وباقي الخطوات المعروفة سلفاً , وخلص دور الرقابة في اصدار تصريحها ان كان صناع الفيلم يصرون علي دخوله مصر فلا طريق سوي اسقاط الجنسية المصرية عنه ومروره بهوية مغربية , ثم طاف الفيلم في عدد كبير من المهرجانات الدولية ونال العديد من الجوائز في مسابقات سينمائية هامة , وأصبح حديث الاعلام لفترة طويلة سواء في مصر او خارجها حتي بدأت الجهات المعنية تهتدي الي تسوية اخري تعيد للفيلم الذي صور في احدي اهم مناطق القاهرة التاريخية حي " عين شمس " وبممثلين مصريين ومخرج مصري وموضوع شديد المحلية , تعيد اليه هويته الوطنية قبل عرضه في السينما , وتبع عين شمس فيلمان اخريان من نفس نوعية الانتاج الذاتي لصناعه , وهما فيلمي هليوبوليس و بصرة , وبعد اجتياز مشكلة نسب الفيلم المستقل الذي يغلب علي احداثة الارتجال اكثر من الالتزام بسيناريو مكتوب , واجه هذان الفيلمان ايضا مشكلة التوزيع في دور العرض التي خصصت قاعة او قاعتين فقط في كل سينمات مصر لهذه الافلام بالاضافة الي تجاهل الشركة الموزعة لطرح حملة دعائية تصاحب عرض الافلام كما تفعل في اعمال نجوم الصف الاول , وهي ايضا عرقلة خفية ضد انتاج السينما المستقلة لتؤكد شركات الانتاج والتوزيع عدم استيعاب مشاهد السينما البسيط لهذا التيار الجديد , لكن هذا الجيل الذي يحمل بداخله تحدي ومثابرة توازي موهبتة واصرارة علي التواجد والابتكار وتقديم رؤيته الشخصية من خلال مساحة من الحرية أقتنصها بنفسه دون ان يقبل تقييد من أي نوع , سواء في الانتاج او في طرح الافكار التي يخشي البعض مقاربتها تجنباُ للوقوع في مصادمات مع الرقابة او مع اي جهات اخري ترفض الحرية الغير مشروطة في الفكر والابداع , فأصبحت الحرب ضد الافلام الحرة علنية والمصادمات لم تتخذ مسار تحجيم الابداع فقط ولكنها تحولت الي مناظرة تجارية بين صناع السينما وتجارها اللذين يخشون ارتقاء ذوق المشاهد الذي انصرف هو الاخر عن الاستمتاع بالفيلم المصري كقيمة واقتصر استمتاعة علي ازياء النجمات والمشاهد العاطفية والموسيقي الراقصة ,كما ان السينما الحرة تعتمد بشكل اساسي علي تقديم الوجوه الجديدة مما يشكل خطراً من وجهة نظر المنتجين علي عرش نجوم الصف الاول اللذين انصرف نصفهم للعمل في الدراما التليفزيونية والنصف الاخر اما اختفي او احتجب في بيته لعدم وجود نصوص جيدة ومنهم من بدأ نجاحه يتأكل بعد تراجع شعبية معظم النجوم الشباب اللذين ظهروا مع موجة تغيير جلد السينما المصرية في التسعينات , محمد هنيدي , أحمد السقا , محمد سعد , هاني رمزي , حنان ترك , مني ذكي .
إن كانت اشكالية ميزانيات الافلام العالية واجور النجوم المرتفعة تؤرق منتجي السينما في مصر لدرجة جعلتهم يعقدون العديد من الندوات والاجتماعات واللقاءات التليفزيونية لمناقشة الخطر التي تواجهه صناعة السينما في مصر , من ارتفاع اجور الفنانين وانصراف الجمهور عن دور العرض وقرصنة الافلام فور صدورها في السينما علي شبكة الانترنت وتراجع شراء المحطات الفضائية لنسخ الافلام , الاجدر بهم ان يستوعبوا دور الانتاج المستقل قليل التكلفة في هذا الوقت بالتحديد لا أن يجعلوا منه جبهه اخري معادية يجب التصدي لها ومحاربتها , وقد يسأل صناع اي فيلم عن المستوي الفني للعمل لا عن القيمة المالية التي دعمته , ولو لم يستوعب كبار منتجي السينما هذا المفهوم , فليبقي هذا الشرخ المعيب بينهما ولتبقي لهم تجارتهم وللمستقلين نجاحهم.