حسناً ، لم أكن أرغب في الحديث أو التعليق حتى ينتهي كل شيء ، فتلك اللحظات هي للفعل وليس القول ، مؤمناً في أن الناس والتاريخ لن ينسوا مَن صَمَد ولن يغفلوا عمَن بقى .. في مُقابل مَن نافق حاكم وظالم أو هرب من بلادٍ تعيش واحدة من أعظم لحظات تاريخها .
ولكن استفزني في هذا الصّباح الأول الذي أقضيه في المنزل منذ بدء الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير ، تناقض ضخم وكبير بين تصريحات الفنانة شيريهان التي وقفت بجانبنا في ميدان التحرير ، وبين حسن يوسف الذي وصفنا بالجبناء.
جبناء .. ثلاثمائة شهيد من هذا الوطن راحوا ضحية للداخلية وكلاب السلطة والبلطجية المدافعين عن فرعون يأبى ترك سلطته .. ويقول جبناء ، آلاف من الجرحى والمصابين بالرصاص المطاطي والحي والقنابل المسيلة للدموع .. ويصفنا بالجبناء ، آلاف من (أجدع وأرجل) من أنجبتهم مصر وقفوا أمام البلطجية والسفلة الذين أتوا إلى الميدان بالخيول والجمال والسنج والمطاوي والسكاكين إلى أن طردناهم ليبقى الميدان "حُرّاً" .. ليعتبرنا في النهاية جبناء ، عشرات من اللجان الشعبية التي حافظت على أمن هذا الوطن في كل حيّ في مصر بعد أن (هرب) عيال الشرطة وفروا .. ليرى (الحاج) حسن بعد كل هذا أننا جبناء .
في المقابل .. بَكَت شيريهان وهي تبدي أمنيتها في التبرُّع بدمها للمصابين في ميدان التحرير لولا أنه مُسَرْطَن ، ووقفت مع الشباب مُؤيّدة مطالبهم الحُرّة والمشروعة في إسقاط النظام الفاسد وحلّ مجلس الشعب المُزوّر وتعديل الدستور المُفَصّل ومحاكمة المسئولين عن استشهاد ثلاثمائة شهيد مصري لم يطلب أيًّ منهم بأكثر من حقه في حياة مطالبها بسيطة : عيش .. حرية .. كرامة إنسانيّة .
ما أثار انتباهي أكثر هم شاكله الذين يقفون معنا في مقابل من وقفوا معهم ، وهو شيء يبدو بشكلٍ مثالي في نموذجي (الفنانة) شيريهان و(زوج الحاجة زهرة) حسن يوسف ، فشيريهان التي غابت عن الأضواء لسنوات احتراماً لنفسها ولعدم المتاجرة بمرضها رغم الكثير من العروض التي جاءت إليها سواء بالتمثيل أو الظهور في برامج تلفزيونية .. ظهرت الآن فقط لأجل قضية كبيرة وثورة عظيمة .. ولَم تَخَف من شيء ، أما حسن يوسف فما أن انحسرت الأضواء عنه في الثمانينات حتى "اسْتَشْيَخ" وادّعى حرمانية الفن كي ينعم في أموال الخليج .. وحين انتهت لم يجد مانعاً من أن يشارك (الشيخ) في مسلسل " زهرة وأزواجها الخمس" لينعم في أموال قائمة على لَحْم رخيص.
حسن يوسف .. أنتَ ( الجبان) ، وظافر أصغر شهيد من شهداء التحرير والحريّة أكثر شجاعة ونبلاً من آلاف أمثالك .
الجميلة والعظيمة شيريهان .. دَمِكِ المُسَرْطَن أطهر عندنا من كافة زملائك الذين نافقوا فرعون صارت أيامه معدودة بإذن الله .
الثورة قائمة ، ومُسْتَمرة ، وسننتصر ، وسيخضع الجميع لإرادة شعب حُرّ ، ليسقط الظالم والطاغية ، ويهرب المُنتفعين والمُستفيدين ، ويَكتُب التاريخ كل حرف في تلك الأيام العظيمة ، وستبقى مصر .. دون أن تنسى أو ينسى أهلها من كان معها ومن تواطئ ضِدَّها .