كانت أحد أكبر الأزمات المعنوية التي واجهت ثورة "الياسمين" العظيمة في تونس، هو عدم وجود أغاني وطنية تلهب الحماس الوطني وتزكيه، أغنية واحدة غناها التونسي الرائع لطفي بوشناق، بالإضافة إلى قصيدة شاعرهم الأشهر أبو القاسم الشابي " إذا الشعب يوما أراد الحياة"، فاضطر الثوار إلى إستخدام وإعادة بث الأغاني الوطنية التي غناها المصري الراحل الشيخ إمام، مستفيدين من وحدة اللغة بعد أن تفرقت الشعوب، أو بمعنى أصح فرقها طيش حكامها.
أما الثورة في مصر فكان لها وضع مختلف، حيث أعاد شباب الثورة الذين تتراوح أعمارهم ما بين ال20 وال40 عاماً إكتشاف المطرب الراحل العندليب عبدالحليم حافظ، وأطلق البعض عليه لقباً جديداً يكتسبه بعد مرور حوالي 25 عاماً على وفاته ألا وهو "مطرب الثورتين"، وصارت أغنيته "صورة" وخاصة ذلك المقطع الذي يشدو فيه العندليب قائلاً " واللي حيخرج م الميدان عمره ما حيبان في الصورة" شعاراً موحدا لهتافات الثوار في الميدان، بالاضافة لعدة أغاني أخرى للعندليب مثل "فدائي"، "احلف بسماها وبترابها"، "موال نهار".
وأتت المطربة المصرية جداً شادية في المركز الثاني لتصبح أغنيتها الشهيرة "ياحبيبتي يامصر" نشيداً وطنياً للبسمة على وجوه الثوار، وان تبقى لدى الكل أملاً في أن يغني المطرب الاسمر محمد منير لثورة بلاده.
أول الغيث "منير" وربما أخره
وعقب طرح أغنية "ازاي" ل محمد منيروإستقبالها بحفاوة من سكان المدينة الفاضلة في ميدان التحرير، تحول الوسط الموسيقي في مصر - خاصة بعد رحيل مبارك والذي تلاه رحيل نقيب الموسيقيين - إلى مساندة الثورة، رغم الصمت الدامس الذي أحاط مطربي وملحني مصر منذ يوم 25 يناير حتى 11 فبراير، ليفاجىء شعب مصر بطرح 45 أغنية للثورة، ولتتحول إذاعات الأغاني في مصر إلى منصات متحركة لاطلاق الصواريخ الوطنية، التي كان معظمها ركيكاً ومفتعلاً، لدرجة أن شاعر مثل تامر حسين صاحب أغنية الحزب الوطني الشهيرة كتب ولحن أغنية للمطرب محمد حماقي عن الثورة، وسيكون صاحب أول ميني ألبوم عن الثورة أشعارً وتلحينا، مروراً بغناء الفنان عمرو دياب عقب عودته من الخارج أغنيته " مصر قالت" والتي استقبلها الكثيرون باستهجان شديد، أما تامر حسني الذي قام بتقديم 3 أغان حتى وقتنا هذا ما بين الثوار والجيش المصري، إلا أنه مازال يواجه رفضاً شعبياً عريضاً بسبب تحول موقفه من المعارضة للتأييد، ناهيك عن عشرات المطربين الذين غنوا للثورة، ولكن كما تعلمنا قديما في المدرسة، عمل الواجب بعد موعده يعد تقصيراً يستلزم العقاب، وكان العقاب الأمثل أن يتجاهل المستمعون أغان محمد فؤاد و حمادة هلال و هشام عباس، ومحمد حماقي وغيرهم من متعهدي الاحتفالات والمناسبات، بغض النظر عن ركاكة الكلمات والألحان.
وتبقى لمحات ضوء بسيطة
ولتبقى أغان قليلة لمست قلوب الثوار المجهدة، المليئة بما دار طيلة 18 يوماً، مثل "يناير" للمطربة أنغامو كلمات الشاعر الرائع إسلام حامد من واقع تجربته الحية من الميدان وألحان إيهاب عبدالواحد و توزيع حسن الشافعي، وكذلك أغنية صوت الحرية التي غناها المطرب والممثل هاني عادل.
وفي النهاية أتذكر كلمات رددتها يوماً على مدخل الميدان أثناء إستعدادي للتفتيش " صرخة كانت م الميدان ، صرخة أطلقها الشباب، ضربة كانت من معلم، خلت النظام يبلم، جه بسلاحه وبلطجيته وشرطجيته واعتدى علشان نسلم، هو مين، لأ ده بعده، هو اللي اتلقى وعده، كنا نار أكلت كلابهم، نار تقول هل من مزيد، وانتصرنا ولسه عارهم مش راح يقل ده راح يزيد".
ملحوظة للذكرى والتدوين :أسماء الأغاني