لم يتعرض سياسي مصري من قبل لما تعرض له الدكتور محمد البرادعي، ولم يتم تشويه سمعة رجل شريف كما تم تشويه سمعة هذا الرجل الوقور، الذى نادى بالتغيير قبل أن يدركه أحد، والذي آمن به قبل حتى أن تهل بشائره، والذي حاربه النظام السابق بكل قذارته، وكل أسلحته وواجهه وحيداً بكرامة وعناد رجل يؤمن بالحق.
ولكن المدهش أن النظام رحل، وخرج من سدة الحكم بكم من الفضائح تفوق ما حاولوا تشويه الرجل به، وبقى رجل الشارع مصدقاً لما أشاعه النظام عن عمالة البرادعي لأمريكا، وهو الذي حرمها من التفويض الدولي لضرب العراق، وهو الذي واجهها وحيداً عندما رشح نفسه لفترة جديدة في وكالة الطاقة الذرية، وانتصر عليها على الرغم من تأييد النظام المصري السابق لمرشح سيدته أمريكا.
وما زال رجل الشارع يؤمن بأن البرادعي أتى ليهدم الإسلام، وأن الرجل هو نبي العلمانية المنتظر، مستندا على ما أشاعه النظام القذر عن ابنة الرجل وزواجها المدني، وعلى الرغم من نفي الرجل الكريم لهذا وإثباته بالدلائل والبراهين، إلا أن الصورة لم تتغير، وكأننا عشقنا أن نرى النظيف قبيح لنطمئن إلى طهرنا، أو على الأقل إلى تساوينا في التلوث.
وعلى الرغم من كشف كذبة أخرى أطلقها النظام الراحل عن جنسية زوجة الرجل، والتي كانت ستمنعه من الترشح حسب التعديلات الدستورية الجديدة، إلا أن رجل الشارع لا يحاول حتى أن يجهد نفسه بالبحث خلف باقي ما سمع، ليعرف الحقيقة.
أما ما حدث يوم أمس السبت مع الدكتور البرادعي حين حاول الادلاء بصوته في لجنته الانتخابية من تهجم وتحطيم للسيارة، بواسطة بعض السلفيين الذين يصدقون أنه أتى ليهدم الإسلام فهو أمر محزن بلا شك، أن يهان رجل ذو قيمة لا ينكرها الا جاهل،وهامة لا تستفز الا قزم حاقد، بواسطة هؤلاء الذين رفضوا إستخدام أدمغتهم وسلموخا لطغمة من أشباه العلماء تحكم بما تجهل، وتقدس المظهر، وتهمل الجوهر، فهذا هو المؤلم.
أن يهان الدكتور محمد البرادعي الحائز على جائزة نوبل للسلام، بوصاية علماء البترول وشيوخ الصحراء، وهو يؤدي أبسط حقوقه كمواطن مصري، فتلك طامة كبرى.
ولكن ما يطمئن في أن هناك ضوء في نهاية النفق الذي يمر به الرجل، والذي تحمل في صبر الأنبياء كل هذا ولم يكفر لحظة بمصر، وهو الزاهد المستكفي، لأنه يعلم أن ما من أحد على مر التاريخ بشر بالتغيير ونادى به إلا وتعرض لما يتعرض له هو الأن، وأن الأنبياء والإصلاحيين على مر التاريخ واجهوا الجهل والتخلف وانتصروا عليه في النهاية.
عزيزي رجل الشارع إن كنت لا تحب الرجل - بلا سبب حقيقي على الأرجح - فليس هناك داع على الإطلاق إلى أن تشارك في تشويه سمعته لمجرد أنك تجهله، إرفضه كما تشاء ولكن حافظ على كرامته ومكانته، لأن ديننا الذي قد تظن أنك تدافع عنه بتشويه الرجل يأمرنا بأن نتبين الحقيقة إن جاءنا فاسق بنبأ، وليس هناك أفسق من مبارك ونظامه.