يقومُ المخرج الكبير يُسري نصر الله حالياً بإعطاء مُحاضرات أسبوعية للطلاب في معهد السينما ، حيث قَبِلَ التدريس هناك بعد شعوره بتغيّرات الجذرية وإصلاحية يشهدها المعهد يفضل حركة طلابه بعد ثورة 25 يناير ، مما أشعر مُخرج تُحفتي " المدينة" و" باب الشمس" بإمكانية العمل في مناخ يُساعده على ذلك .
وسيتابع معكم موقع السينما.كوم بشكل أسبوعي أهم ما في مُحاضرة يسري نصر الله :
في هذا الأسبوع ، تحدّث يسري في البداية مع الطلاب حول أهمية امتلاك رؤية خاصة اتجاه الأمور ، مؤكداً على أن الجوانب التقنية في السينما يُمكن تعلّمها واستيعابها ببساطة ، فهي ليست المُعضلة ، ولكن الفكرة في أن يصبح لك هَمّ .. لك تحليل ورأي في كل ما يحدث حولك وتريد التعبير عنه .. وأن تجد عبر ذلك "الرؤية" السينمائية المُناسبة التي يمكن ليها استيعاب ما تشعره وتفكر فيه .
وأكد يسري لطلابه على أهمية السينما الصامتة وكونها ركناً رئيسياً في التعلُّم ، حيث نتابع بهدوء حركة تطوّر السينما ، ﻷن الأقدمين كانوا يعملون بوسائل أقل وأصعب بكثير مما يحدث اليوم ، ولذلك كان يحرّكهم "الابتكار" وكيفية الخلق بالأدوات المتاحة فقط ، بل وكيف يتعاملون ويحققون فكرة "السينما كلغة صورة" حيث يصبح الاعتماد عليها بشكل شبة كُلّي لإيصال كل شيء .
وفي سبيل التأكيد على ذلك عرض عليهم فيلم "Seven Chances" من إنتاج عام 1925 ومن إخراج الأسطورة باستر كيتون ، وبعد عرض الفيلم دخل في مُناقشة مطولة مع الطلاب في محاولة لتحليل الفيلم والاستفادة منه لخلق (الرؤية) ، حيث طلب منهم التفريق بين (الحبكة) و(الموضوع) ، فالحبكة يُمكن ﻷي شخص من الموجودين سردها ولكن ما يجب التفكير فيه هو (الموضوع) .. عمّا يدور الفيلم أو المشهد بشكل شديد التجريد ومن كلمة واحدة ، واعتبر أن فيلم كيتون مثالاً جيداً لذلك .. فالعمل يدور حول (الوقت) والصراع الذي ينشأ فيه هو صراع بين "رجل كسول" و"زمن سريع" وهذا هو التناقض المُعتمد عليه لخلق الكوميديا .
من ناحية أخرى أكّد يُسري على قيمة (الحركة) في السينما ، الاهتمام بالجسد وكونه أهم العناصر التي تخلق فن بصري ، واتخذ من باستر كيتون مثالاً ، حيث كان يستخدم جسده كعنصر أساسي في خلق (الدراما) و(الكوميديا) في كافة أفلامه ، وهو ما لا نجده في الكوميديا المصرية وفي الفن المصري بشكل عام ، حيث يعتمد على الشفهيّة والمُباشرة في مُعظمه .
وطالب يسري من الجميع أن يحاولوا خلق الظواهر والتفكير بشأنها تحقيقاً لمفهوم (الرؤية) الذي تحدّث عنه في البداية ، وقال أنه سيطرح عليهم وجهة نظره في الأمر ومن الجائز جداً أن تكون خاطئة .. ولكنه يرى أن الثقافة المصرية لا تحترم الجسد ولو في لا وعي مواطنيها ، لا نحاول الاحتفاء به كعنصر أساسي في العملية الفنية ، جميعنا نخجل منه ونحاول مداراته بأشكالٍ مختلفة ، حتى في ملابسنا .. سنجد أن الأغلبية من الشعب يلبس رمادي أو بني .. كأننا نُريد الاختفاء ، ثم استطرد في كلامه قائلاً : "الوقت الوحيد الذي شعرت فيها بأننا نحرر جسدنا كان في ميدان التحرير ، حيث وجدت الناس أميل للظهور وأكثر فخراً بأنفسهم وبجسدهم ، ويمكن ببساطة الربط بين الحرية السياسية التي خرج الناس للحصول عليها ، والحرية الذاتية التي ينالوها تلقائياً" .
ثم قام بعد ذلك بعرض فيلم 'The Party' الذي أنتج عام 1968 من إخراج بليك إدواردز ومن بطولة النجم الشهير بيتر سيلرز ، حيث أكد على أنه فيلم ناطق يستخدم نفس قواعد السينما الصامتة في استغلال الصورة والجسد والموقف في خلق كوميديا لازلنا نضحك عليها إلى اليوم .
وأشار في ختام المُحاضرة أنه سيعرض في الأسبوع القادم أحد روائع السينما الصامتة ولكن في نوع سينمائي آخر غير الكوميديا ، حيث سيعرض فيلم الرعب والفانتازيا 'Nosferatu" للمخرج والمُعَلّم الألماني العظيم "إف دبليو مورناو" الذي يعتبر من أهم رموز السينما الصامتة .