سير توماس مور المولود سنة 1478 أي قبل التاريخ الذي نعيشه بنحو 500 عام أو أكثر كان من أهم أسباب وفاته أنه عارض السلطة و وقف ضدها في القصة الشهيرة للملك الإنجليزي هنري الثامن في طلاقه من كاثرين ، فأستقال من منصبه كمستشار و سكرتير الملك رافضاً أن يقف ضد مبادئه على الإطلاق لمجرد أنه مستفيد و يعمل في بلاط الملك بل و أحد المقربين منه فما كان من الملك إلا أن سجنه و من ثم حُكم عليه بالإعدام بعد إتهامه بالخيانة العُظمى.
الإمام أحمد بن حنبل المولود سنة (164 هـ/780 م) أي قبل هذا التاريخ الذي نعيشه بما يزيد عن الألف و مائتي عام و محنته الرهيبة من الإختلاف في الرأي مع السلطة حينما أعتقد المأمون برأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن، وطلب من ولاته في الأمصار عزل القضاة الذين لا يقولون برأيهم. وقد رأى أحمد بن حنبل أن رأي المعتزلة يحوِّل الله إلى فكرة مجرّدة لا يمكن تعقُّلُها فدافع ابن حنبل عن الذات الإلهية ورفض قبول رأي المعتزلة، فيما أكثر العلماء والأئمة أظهروا قبولهم برأي المعتزلة خوفاً من المأمون وولاته عملا بقوله تعالي :" إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان".. وألقي القبض على الإمام ابن حنبل ليؤخذ إلى الخليفة المأمون. وطلب الإمام من الله أن لا يلقاه، لأن المأمون توعّد بقتل الإمام أحمد. وفي طريقه إليه، وصل خبر وفاة المأمون، فتم رد الإمام أحمد إلى بغداد وحُبس ووَلِيَ الخلافة المعتصم، الذي امتحن الإمام، وتم تعرضه للضرب بين يديه، وقد ظل الإمام محبوساً طيلة ثمانية وعشرين شهراً. ولما تولى الخلافة الواثق، وهو أبو جعفر هارون بن المعتصم، أمر الإمام أن يختفي، فاختفى إلى أن توفّي الواثق.
وحين وصل المتوكل ابن المعتصم والأخ الأصغر للواثق إلى السلطة، خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد بخلق القرآن، ونهى عن الجدل في ذلك. وأكرم المتوكل الإمام أحمد ابن حنبل، وأرسل إليه العطايا، ولكن الإمام رفض قبول عطايا الخليفة.
لا أدري لماذا تذكرت هاتين القصتين لإمام مسلم و قديس مسيحي كاثوليكي و أنا أرى المقطع الذي تم رفعه على اليوتيوب للأخ الفاضل تامر أمين و هو يقوم بتوديع برنامجه مصر النهاردة فقد ظهرت أمامي صورة تلك الشخصيات العظيمة التي ضحت بالعزيز و الغالي بل ضحت بدمائها من أجل فقط الثبات على الرأي و إحترام النفس فقط من أجل ألا يتحولوا إلى أدوات في يد من يحركونهم فقط من أجل ألا يكونوا أذناب فقط من أجل أن يكونوا رجال.
لا أدري لماذا تذكرت إبنتي الشهيد بسيوني أو أطفال كريم بنونة بل و تخيلات أن أطفال الشهداء كلهم تفرجوا على هذا المقطع اليوتوبي النوع أو على الحلقة على التلفاز المصري لماذا لا أدري تخيلت الملايين من المعذبين و فاقدي النظر و السمع و هم ينظروا إلى هذا المقطع و حقاً لا أدري لماذا تخيلت كل الأرواح الطاهرة التي زهقها النظام السابق و الحزب الوطني و وزارة الداخلية و هم يروا هذا المشهد الرائع لتنحي تامر أمين بطلعته البهية عن برنامج مصر النهاردة.
أي شعور شعروا به ليس هذا هو المهم فالمهم أي شعور شعر به هو و هو يغادر منصبه و كرسيه هل شعر بما سيشعر به حينما يلاقي ربه هل أستشاط غضباً و حزناً على أي من أولئك الذين كانوا يدافع عنهم دفاع الأسد عن عرينه أم شعر بأنهم تركوه وحيداً شريداً هل قال هلك عن سلطاني أم فقط تركنا لنشاهد ذلك المشهد الرومانسي له و هو يعتذر عن أي أخطأ وقع فيها و يودعنا قائلاً بإنه سيفتقدنا.
سيذهب إلى منزله ليضع مفاتيح سيارته التي لا أعرف نوعها و لكني أثق بأنها فارهة و أنها واقفة تحت بناية من تلك التي نراها في الأفلام سيدخل إلى حمامه الذي يحتوي على أروع و أجمل ما صُنع من أدوات صحية ليأخذ دُش ساخن دافئ سينظر في المرايا الرائعة التي تحيطه و لكن هل تراه سيرى رجلاً في تلك المرايا, سيذهب ليرى إبنته أو إبنه بينما هم نيام في سرير رائع و غرفة نوم تتفوق في جمالها على الجناح الملكي للأمير وليام سينظر لهم نظرة الرضا بعد أن أطمئن أن حساباته في البنوك ستكفي حتى سفرهم إلى هارفارد و لكن هل ترك لهم قليلاً من الشرف أو بعضاً من الفخر حقاً لا أدري إن كان له أطفال حتماً سيقرأون في يوم من الأيام أسم أبيهم مكلل بأكاليل العار.
لم تخدعني إعتذارتك و لا دموعك لم يخدعني أسلوبك الرقيق في الحديث كما لم تخدعني أكاذيبك من قبل هي لم تكن أخطائك كي نسامحك فيها هو اسلوبك الإعلامي الذي نشر سمومه بيننا و ضللنا كي ترفل أنت في النعيم المقيت لن ننساك كما لن نسامحك.