تاريخ مهرجان ''كان'' السينمائي حين تكتبه عيون الكاميرا

  • خبر
  • 12:30 مساءً - 2 مايو 2011
  • 1 صورة



كان مهرجان "كان" منذ البداية حدثًا إعلاميًّا بدرجة امتياز. حين كانت أفلام المسابقة تعرض في قاعات مغلقة، يلفها الظلام المقدس حيث المصورين مستبعدين. وعلى سبيل التعويض، كانت الاحتفالات في الهواء الطلق تمنح "الباباراتزي" متنفسًا للالتقاط الصور النادرة. وتتنوع الصور بتنوع حركة النجوم، قوافل من عربات تجرها الخيول ، أو سيارات مكشوفة تتجول في أنحاء البلدة حاملة إيّاهم. فهم ينجذبون للكاميرا كما تنجذب إليهم، وتشجعهم الأضواء على دغدغة مشاعرهم باستعراض ملابسهم أمام العدسات. وفي الوقت نفسه هم بعيدو المنال والوصول إليهم يظل مجرد حلم يداعب الجميع. فالمهرجان يحمل بين طياته نقيضين، الظهور أمام الكاميرات من جانب، والغموض من جانب آخر.
عندما تزور كان ستتفهم فورًا هذا التناقض، إضافة إلى قربها الغريب من الشاطئ والقصر. يبدو الجميع متساوون هنا على شاطئ البحر، ولكن على السجادة الحمراء وسلالم قصر المهرجانات يصبح النجوم في مكان مرتفع يلوحون من أعلى لمعجبيهم في الأسفل. في الأسبوع الماضي، تعذر الوصول إلى السلالم من وراء الحواجز. توقف السياح الذين كانوا يستلقون على شاطئ الريفييرا لالتقاط الصور من وراء الحاجز. في مجتمع يتوق فيه الجميع ليصبحوا نجومًا سينمائيين، يعد هذا المكان بقعة مقدسة، تضاهي التقاط الصور خارج الفاتيكان. وبالقرب، يوجد ممر الشهرة مثل الموجود في جادة هوليود، مطبوع عليه أُثار كفوف مخرجي الموجة الفرنسية الجديدة وآثار أقدام وحش مقدس مثل جيرار ديبارديو. ولأن هذه هي فرنسا، فإن الطريق منثور بأعقاب السجائر، كتذكرة بأن النجوم هم مجرد مواد استهلاكية، تستخدم ثم يتم التخلص منها.
يقف هنا على سلالم القصر جيل ترافيرسو، حفيد مؤسس إحدى شركات التصوير في كان في العام 1919 . وقد وثق المهرجان ثلاثة أجيال من هذه العائلة من المهاجرين الإيطاليين الذين عبروا الحدود إلى فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر. صوروا احتفالاتها المتكلفة، ومجونها غير الرسمي، مسيراتها وحفلاتها. كان مؤسس الشركة أوغيستو ترافيرسو على محطة القطار عندما وصل لوي لوميير مخترع كاميرا السينما في سبتمبر عام 1939 في افتتاح أول دورة للمهرجان. وبعد يومين تبدل كل شيء فجأة عندما بدأت الحرب. وعندما عاد المهرجان في العام 1946، تولى هنري مسؤولية شركة التصوير بدلاً من والده أوغيستو، والآن صارت الأمور في يد الحفيد جيل، وهو مصور صحافي يعمل لصالح " جيتان".
ويسخر جيل من المصورين غير المحترفين، أو السياح ممن يرفعون كاميرات هواتفهم المحمولة طوال الوقت لالتقاط الصور ويقول " كان الأمر مختلفًا في زمن والدي. كانت إليزابيث تايلور تتمشى هنا بمفردها، وكانت ترحب بالتقاط الصور مع السياح الأميركيين. وقبل أن تصبح أميرة، وقفت غريس كيلي في الميناء حتى يلتقط والدي الصور لها، ثم دعته لتناول الفطور معها. وفي العام 1955 طلب من بريجيت باردو أن تركض على الشاطئ كي يتمكن من إبراز جسدها في وضع الحركة . يظهر في الصورة عدد قليل من الناس يتبعونها، ولكنهم يحافظون على مسافة بعيدة عنها. وبحلول العام 1967 صارت باردو أحد أهم أيقونات الإثارة في العالم، وعندما صورها هنري وحولها قوات الشرطة وأضواء العدسات منهمرة فوقها، كانت النجمة الفرنسية مختفية بمعنى الكلمة خلف من يحملقون فيها من خلال عدساتهم الحارقة. يمكنك أن تميز في الصورة فقط بالتركيز على سلسلة من الشعر الأصفر تتلاقى حولها كل الكاميرات المتنافسة. ويروي جيل :" في وقت قريب، عندما كنت أصور ميلا جوفوفيتش في أحد الفنادق هنا، أردت أن ألتقط لها صورًا على البحر، ولكننا لم نستطع عبور الطريق إلى الشاطئ من الأساس. فبمجرد أن تعرف الناس عليها، صار الأمر جنونيًّا. لا يوجد أي احترام، كانوا يريدون لمسها، وفي النهاية اضطررنا لتغيير فكرة الصور. وحتى بالنسبة للمحترفين الأمر مرهق، نحن نقوم بالتقاط الكثير من الصور، لأن التصوير الرقمي سهل للغاية، تأخذ مئات الصور على أمل أن واحدة منهم ستكون جيدة. لقد بدأت حياتي العملية بكاميرا " روليفليكس"، وكل 12 لقطة كان علي تغيير الفيلم. علمني هذا أن أكون اقتصاديًّا، وأخطط جيدًا لما أريد أن أصور".
ويعتمد جيل بشكل حاسم في معيشته على الخطوات الأولى للنجوم على سلالم قصر النجوم، "يبدأ الأمر عندما ينزلون من السيارة، وينتهي بعد لحظات عندما يدخلون إلى قاعة العرض. أفضلهم من يعرف ماذا تريد، فيقوم بعرض صغير. يتوقفون، ويتمركزون، يضحكون، يلوحون للحشود، ثم يصعدون إلى داخل القصر". وكان لجيل بعض من الحظ الإضافي في العام 2002 مع المخرج الفنلدني آكي كوريسماكي. الذي استغل الدرج ليؤدي، برشاقة فريد أستير ولكن دون عصا أو قبعة، رقصة النصر بعد فوزه بالجائزة الكبرى عن فيلم " رجل بلا ماضٍ". ويرى جيل أن قصر المهرجانات الجديد الذي افتتح في العام 1983، لا يشجع النجوم والنجمات على الاستعراض أمام الكاميرا." إنه قاتم ، يبدو كقبو بلا نوافذ، يرمز لعصر في تاريخ السينما أصبح فيه مديرو العلاقات العامة حريصين على إبعاد العامة عن النجوم الذين يفضلون بدورهم أن يظلوا غير مرئيين، محصنين بفرق أمنية خاصة وزجاج قاتم لسياراتهم. يبدون كما لو أنهم يؤدون عقوبة بمجيئهم إلى كان. على سبيل المثال، مونيكا بيلوتشي جميلة بالطبع، ولكنها لن تتحرك خطوة أو تتفاعل مع الجماهير المحتشدة. لقد جهزها المصممون فقط لتقف جامدة هنا. لا توجد علاقة حميمية بينها وبين كاميرات المصورين.
يحفظ آل ترافيرسو تراث مهرجان كان منذ أن بدأ كحدث للجذب السياحي، شكّل وجه السينما عبر عقود، وشهد بزوغ نجومية الكثيرين من جان مورو وجينا لولو بريجيدا وحتى أرنولد شوارزينجر. ويعتز هنري بصورة ملائكية بشدة التقطها ل روبرت دي نيروفي شبابه أثناء ترويجه لفيلم " سائق التاكسي" 1976 والذي فاز بسعفة المهرجان الذهبية، بينما يضع جيل على مكتبه صورة حديثه لدي نيرو بشعره الأبيض. وسيعود دي نيرو للمهرجان هذا العام كرئيس للجنة التحكيم، وسيكون هناك بالطبع المزيد من الصور، و لكن مستقبل الشركة العائلية غير معروف. ولدى جيل ابنة واحدة اسمها أليس تبلغ من العمر 14 عامًا. و هو غير واثق إن كانت سترث مهنة أبيها و أجدادها، أم ستنضم لطابور المصورين الواقفين على الدرج بكاميرات الهواتف المحمولة.

وصلات



تعليقات