التعريف اللغوي للطائفية هو " مفهوم مشتق من (طاف، يطوف، طواف، فهو طائف) فالبناء اللفظي يحمل معنى تحرك الجزء من الكل دون أن ينفصل عنه بل يتحرك في إطاره وربما لصالحه.والطائفية هو انتماء لطائفة معينة دينية أو اجتماعية ولكن ليست عرقية فمن الممكن ان يجتمع عدد من القوميات في طائفة واحدة بخلاف اوطانهم أو لغاتهم."
اذاً الانتماء لطائفة دينية معينة لا يجعلها تنفصل عن جسد الوطن، بل تتحرك في إطاره ولصالحه، لذلك يجعلنا ما يحدث الان من فتنة طائفية تم اشعالها بين أقباط مصر ومسلميها وخاصة التيار السلفي فيها، نتعجب من عدم موضوعيته.
فمصر منذ فجر تاريخها الحديث وهي تجمع ما بين العنصرين، لم تفرق بينهما يوماً، حتى أن الإنجليز حاولوا اثارة هذه الفتنة اثناء ثورة 19
وأعلنوا التدخل لحماية الاقباط، ليصرخ أحد الكهنة صرخته التي خلدها التاريخ "لو أن الإنجليز متمسكون ببقائهم في مصر بحجة حماية الاقباط فليمت الأقباط وتحيا مصر" وهكذا عاش الاقباط وعاشت مصر، إلى أن تفجرت أحداث الفتنة في بداية السبعينيات لأسباب سياسية بحتة، وخلال 40 عاماً تقوت جهاز أمن الدولة وتغذى على ذلك الوتر، ولعب عليه كثيراً لمصلحة نظام فاسد مستفيد من إشعال فتيل الفتنة بين ابناء الوطن الواحد.
واي دارس أو متابع لعلم الاجتماع، يكتشف فوراً عبثية تقسيم هذه الأمة، وأي شخص عادي اذا دخل الى بيت مصري لم تعلق على حوائطه ايات قرأنية أو ايقونات مسيحية أو صور للمسيح والسيدة العذراء، سيتعذر عليه للغاية التفرقة بين العنصرين، وفي تجربة حدثت بالفعل، قام أحد مروجي دعوة حماية الاقباط المصريين في الولايات المتحدة بزيارة مصر، وقام أحد اساتذتنا الأجلاء باصطحابه الى منزلين في حي شبر في مدينة القاهرة، لاسرة مسيحية وأخرى مسلمة، قاما بنزع أي علامات تمييز ديني، وقضى الرجل يوما مع كل اسرة، شرب وأكل وناقش وشاهد حتى التلفزيون، واصطحبه رب الاسرة للمقهى المجاور، وحين انتهت التجربة عاد إلى وطنه وهو لا يصدق أن الاسرتين لا تنتميان لدين واحد.
كلنا مصريون، كلنا نحب هذا الوطن، من منا اهتم يوما بديانة نجيب الريحاني، ومن منا لم يستمتع بفنه، من منا أحب أو كره ما قدمه المخرج العبقري يوسف شاهين لانه مسيحي، من منا لا يعتز ويفخر بما قدمه الدكتور مجدي يعقوب في بريطانيا، وما يقدمه الان في صعيد مصر، من منا لم يفخر يوماً بتولي دكتور بطرس غالى الامانة العامة للامم المتحدة،ومئات بل ألاف الأمثلة التي لا تنتهي، من منا لم يزامل مسيحياً ويدخل بيته، من منا في ميدان التحرير كان يعرف الفارق، من منا فرق بين دم الشهيد المسلم والمسيحي حين سال على أرض مصر وأعاد إليها الطهر والنماء.
اما ان يتحول مسيحي أو مسيحية للاسلام، او العكس ، فهذا شأن بين العبد وربه، لا يخص أياً منا، وقد افتى العلامة الجليل يوسف القرضاوي بهذا، ولكن أن تثار الحروب والمعارك من اجل امرأة اسلمت ، فهذا قمة العبث، فلن يضيف اسلام رجل أو امرأة للاسلام شيئاً ، ولن ينتقص من قدر المسيحية شيئاً لتحتجزه الكنيسة أو تعذبه، وان اثارت اشاعة تفيد باحتجاز امرأة مسلمة في كنيسة نخوة الالاف، فأين نخوتكم تجاه الملايين المحتجزة والمهانة في ارض فلسطين، اين نخوتكم في احتلال المسجد الأقصى ومحاولة هدمه، لا يمكن أبدا أن تكون هناك امرأة أغلى من اول القبلتين وثالث الحرمين، ولا يمكن أن تكون أغلى من شعب بأكلمه، وليس هناك من يمكن أن يقارن بمصر وغلاوة مصر.
حادثة امبابة نتيجة اشاعة وهذا مخيف ولكن يمكن تخطيه باعتباره اثار وبواقي عهد بائد يحاول جسد الوطن اخراجها منه حتى يعود الى صحته وحقيقته، ومسلسل وفاء وكاميليا وعبير ، لن يستفيد منه سوى من أفسد مصر من قبل ، فرجاء يا من تخافون ربكم، وتحمون دينكم سواء كنتم على الاسلام أو المسيحية أن تفكروا جيداً قبل أن " تحرقوا بيتاً يقول ربي الله"، لأن الله لن يرضى بهذا ابداً.
ويتبقى أن أختم بقول الله تعالي " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ".