المخرجة السورية هالة عبدالله تتحدث من خلال تجربتها عن وضع الفنانين والمثقفين السوريين، سواء كانوا في الداخل أو في الخارج، وموقفهم حيال أحداث سوريا.
يعيش المثقف السوري في الخارج وضعا صعبا وهو يحاول أن يفعل شيئا. كيف تتطلعين إلى ما يجري اليوم في سوريا؟
منذ البدء بأعمال العنف في درعا، أخذنا نتجمع ونتبادل الحديث بدون أي تخطيط وأي برامج مسبقة. لأننا أردنا أن نعبر عما في قلوبنا كي نشعر ببعض الراحة، وكي لا نحس أننا غير قادرون على التحرك، وأنه بإمكاننا التكلم بنوع من الحرية مع أصدقائنا.
هكذا بدأنا نلتقي ونتجمع بشكل عفوي في ساحات باريس. وبعدها أخذنا نفكر بما يمكننا القيام به سوية كي نساند الناس الذين يواجهون الموت باستمرار في سوريا.
ومع الوقت أصبحت تتم اللقاءات بشكل دوري واتخذت شكل اعتصامات في الساحات الرئيسية. ونحاول أن نقوم ببعض النشاطات التي يمكنها أن تلفت نظر الرأي العام الأوروبي لما يحدث في سوريا.
أود أن أقول بهذا الخصوص أننا نحن الذين في الخارج محاصرون، للأسف، بفكرة أننا بعيدون وليس لدينا الحق بالتصرف وبالتعبير عن رأينا.
هناك الكثير من الأوهام التي كانت تروّج لها السلطة أو التي يفكر بها الناس بشكل طبيعي، مثل الاعتقاد أن الذين في الخارج هم بعيدون عن المشاكل ويعيشون براحة تامة وبرفاهية مطلقة.
لكن الحقيقة أن الكثير من الأشخاص الذين يعيشون في الخارج لديهم أيضاً معاناتهم ومصاعب كبيرة في الحياة. ولديهم رغبة كبيرة بالعودة إلى وطنهم لكنهم لا يستطيعون ذلك.
ثانياً، فكرة أن هناك أشخاص ممولة من الخارج أو مسنودة من دول مثل الولايات المتحدة أو أوروبا، هي أوهام وصلت إلى درجة مضحكة. الواقع أن الناس هنا يتصرفون بشكل عفوي وعاطفي، كونهم ينتمون إلى بلدهم سوريا ويحرصون عليه بدون أي رغبة بالتدخل. وجميعنا دون استثناء، أستطيع أن أقول 100 بالمائة منا، هم ضد أي تدخل خارجي.
مع هذه الأحداث، ارتفعت أصوات هنا وهناك من مثقفين سوريين وشعراء وكتاب وسينمائيين، ولاحظنا تباينا كبيرا في مواقفهم. فمنهم مَن هم تماماً مع السلطة. هل يمكن الحديث عن انقسام عميق حدث في سوريا اليوم؟
إنه ليس انقساما عميقا، بل هناك مجموعة صغيرة من الناس الذين اتخذوا موقفا صريحا جدا بمساندة السلطة، إذ لديهم مصلحة مشتركة مباشرة مادية معها، أو علاقة سابقة تتعلق بطبيعة عملهم أو علاقاتهم.
فاضطروا للدفاع عن هذه المصالح، لأنهم يعتقدون أنهم بهذه الطريقة يدافعون عن مستقبلهم. لكنهم في الحقيقة لا يدافعون عن مستقبلهم بل عن اللحظة الحالية، ولا يرون أن المستقبل هو للناس الذين يدافعون عن الحرية.
هذا الجو لا يمثل السوريين تماما. لكنه يحدث ضجيجا وله شكل إعلامي، وله وجود كما في المسلسلات السورية التي هي أيضا تحدث ضجة كبيرة.
تكلمت عن المستقبل، ماذا تريدين لمستقبل سوريا؟ وبرأيك، هل ستطول المرحلة الراهنة؟
أرى أنه حان الوقت اليوم للشباب الذين يحاولون تقرير مستقبلهم، أن يفعلوا ذلك. بعد القمع الذي عشناه خلال أربعين سنة من الصمت والكبح وانعدام الحرية، جاء الوقت كي يقول الناس أنهم سيمسكون بزمام أمورهم وسيدافعون عن مستقبلٍ ما يقررون بناءه ويحددون شكله بأنفسهم.
هنا الإشكال عميق جداً، مُركَّب وصعب. نحن كشعب سوري، للأسف، مرت علينا سنين طويلة لم نكن نمارس فيها التمرين الذي يُسمّى حرية التعبير، والديمقراطية والإنصات للآخر، والتبادل والانفتاح والإحساس بالحق.
كل هذا بدأ فقط منذ شهرين، حيث أخذنا بتلمّس أطراف هذه الحرية. وهو ما يحدث عادة ببطء، حيث بدأنا نتعرف على ما تعنيه كلمة " مواطن". لكننا نمشي كالسلحفاة إذ ليس لدينا تجارب سابقة، ولم نشعر باقتراب هذا الموضوع.
لكننا في نفس الوقت نحن في مواجهة آلةٍ شرسة من القمع والقتل. وكل هذا يتم بسرعة هائلة، تتناقض مع سرعتنا بالتعرف على كيفية الدفاع عن حريتنا وحقوقنا.