السادة زملاء أفلام ١٨ يوم،
تحية طيبة إليكم، ومعذرة لموقفي الذي أعرضه فيما يلي، والذي قد يبدو ضد رغبة الكثير منكم.
أحيط علمكم بأنني قررت عدم حضور فعاليات الإحتفالية الخاصة بثورة مصر في مهرجان كان. فكما تعرفون لم يقبل الفيلم في المسابقة الرسمية للمهرجان لعدم تأهله فنياً لهذه المسابقة، وإنما قررت إدارة المهرجان عرضه في مناسبة خاصة للإحتفال بالثورة المصرية--بدعوة من الإدارة وليس بإختيار لجنة المسابقة التي لم تقدم دعوة لدخوله في المسابقة.
نحن إذاً بصدد سياق سياسي بالأساس لا فني، ينطوي بشكل لا يتحمل اللبس على تمثيل مباشر وشبه رسمي للثورة. وأظن أن هذه الحقيقة واضحة فبدون الثورة لم يكن لهذا الفيلم أن يطأ سجادة كان، وذلك بغض النظر عن رفض المشاركون لتمثيل الثورة وإعلانهم ذلك في بيان رسمي (ومع اقتناعي الكامل بصدق ما ورد في البيان).
كما أنني لا أجد ما يقنعني في الدفع بأن الفيلم لا يمثل الثورة والحيثيات المعلنة لتبرير مشاركته في المهرجان على أرضيات غير تمثيل الثورة، فإدارة هذا المهرجان لايمكن أن تنتفض لعرض فيلم غير مؤهل لدخول المسابقة في يوم مخصص للثورة بشكل مباشر لأي سبب آخر.
وعليه، رأيت أن الإحتفال بالثورة في أحد أهم مهرجانات العالم، بشكل فوقي لا يعتمد على مؤهلات الفيلم الفنية، وفي ظل وجود بعض المدعوين من وجوه النظام السابق، هو أمر سياسي لا يجوز أن أسانده، حتى وإن أقدم من شاركوا في هذا الفيلم على ذلك لأهداف إنسانية نبيلة قبل أي شيء، وبغض النظر عن نواياهم التي لا يجوز لي أو لغيري أن أحللها، وعلى الرغم أيضاً من أنني مشارك في أحد الأعمال (فكان لي أيضا نوايا وتبريرات شخصية لكنها في نهاية المطاف لا يجب أن تؤثر في قرار المشاركة بهذا الشكل في المهرجان من عدمه).
كما أن تجاهل آراء من إنتقدوا هذه المشاركة مؤخرا يقلقني بشكل شخصي، وأفضل أن نتعاطى جميعا مع ما في هذه الآراء من وجاهة بشكل إيجابي، أو على أقل تقدير إعتبار نقدهم هذا كمحاولة للفت الإنتباه لما في هذه المشاركة من مشاكل سياسية حقيقية لا يمكن رفضها على أساس حسن نوايا المشاركين. فيجب أن نعترف أن هذه الإنتقادات محقة في جوانب كثيرة، وفي جوهرها أيضا، وأنها تمثل آراء جزء هام وطليعي من مجتمع السينمائيين مهما صغر حجمه، ولا يجوز تجاهله في ظل هذا الظرف السياسي، وذلك لأن الوضع هنا سياسي لا فني أو شخصي كما قلت من قبل.
وبناء على ذلك قررت الإنسحاب من المشاركة في هذه الفاعلية، مقترحا عليكم الآتي كحل يرض جميع الأطراف:
١- سحب الفيلم من العرض في إحتفال مهرجان كان بهذا الشكل، وعدم عرضه في المهرجانات في أية أطر تخرج عن المسابقات الرسمية، حتى تخرج مشاركته في هذا المهرجانات على أساس إمكانياته الفنية وليس على أساس إستثماره للثورة.
٢- ونظرا لتعذر مشاركة بعض مكونات الفيلم على أسس فنية في المهرجانات الكبرى، أقترح أخذ ما يلزم من وقت لإخراج باقي الأفلام بصورة لائقة لكي تُقبل في المسابقات الرسمية فيما بعد، كأفلام مستقلة جيدة، لا كأفلام تنتهي إلى توظيف ظرف سياسي مهيب، وبحيث لا تثير مشاركته الحساسيات التي تثيرها المشاركة على أرضية سياسية مغلوطة.
٣- الدخول في حوار جدي وبناء في الفترة القادمة حول حقوق ومسؤوليات السينمائيين الذين كانوا مقربين أو مستفيدين من النظام السابق، وكيفية تصالح مجتمع السينمائيين بصفة عامة وتحديد أرضية التصالح هذا. فليس من المقبول أن يحكم على سينمائيين بعينهم ألا يعملوا في المجال السينمائي من الآن فصاعدا (وهذا مطلب ضمني لدى بعض المنتقدين لمشاركة الفيلم في المهرجان لا أقبله، وإن كنت أقبل برفضهم ألا يمثلوا الثورة)
٤- أقترح أن نرجع لأطرنا النقابية أو أن نخلق أطر نقابية ما لإدارة هذا الحوار بشكل عقلاني ومنصف تحدد أرضية مقبولة للتصالح والخطوط الحمراء لمجتمع السينمائيين في الفترة القادمة، على أن تبدأ بالإعتراف بأخطاء الماضي والعمل من أجل مستقبل أفضل من أجل سينما تليق بالثورة وتحافظ على مكتسباتها.