عمرو سلامة يكتب : تأملات في فكر الآخر

  • مقال
  • 11:24 صباحًا - 25 مايو 2011
  • 1 صورة



عمرو سلامة

هل تعرف معنى كلمة "محامي الشيطان"؟

إنك تكون محامي الشيطان معناه أنك تحط نفسك مكان الآخر، إنك تحاول تاخد وجهة نظره و تشوف العالم بعد ما تحط قدام عينيك نظارته.

و ده مهم علشان تفهمه، مهم علشان تعرف تناقشه و تتحاور معاه.

و زمان "الآخر" ده كان نوع واحد من البشر، كان سهل تعرف مين "هم" و مين "إحنا"، لكن دلوقتي الآخر دول ناس كثير لدرجة إنك ساعات بتحس إنك إنت الآخر، و ساعات بتحس إنك كائن شيطاني شاذ تكاد لا تجد من هو حولك تقدر تصفه بأنه ليس الآخر.

طول عمري بحاول أكون حليف الشيطان على قد ما أقدر، شيء صعب و مؤلم بس علشان ضميري مايأنبنيش و أنا بنتقده، و هحاول هنا أعلي صوت أفكاري، و أدون تسلل أفكاري كل ما أفكر في كل آخر في مجتمعنا. بدون خوف و سأضع توقع الهجوم علي بعد صراحتي في الخزانة لأكتب بدون قيود كإن ما سأكتبه لن يقرأه أحد.

أولا.. المواطن المصري العادي

أو زي ما بيسموه برا "أفريج جو" بنسميه ساعات في مصر "عب سميع" أو "حمادة" مش ديه المشكلة، المواطن العادي بكل أخلاقه و صفاته، و يمكن أقصد بالمواطن العادي اللي بشوفه في القاهرة و لما أسافر المحافظات لمختلف الأسباب.

و بالرغم إني شايف التسمية أصلا عنصرية، و لا يوجد إنسان واحد يسمى بالعادي، و لكنه تعبير لتسهيل الفكرة.

المواطن العادي ده بنسميه إستسهالا "الشعب المصري ده...“.

المواطن العادي ده مشاكله هي الأكل و الشرب و الملبس و النوم و تربية الأولاد و الإستمرار، لم يعدي أول مستوى في هرم موسلو الشهير.

المواطن العادي يتشكل قراره بالعواطف أكثر من التعقل، المواطن العادي سهل أن تؤثر عليه بالإعلام، قد يغير كل أفكاره بناء على حلقة أو خطبة أو مشهد درامي، المواطن العادي يهتم بالأشخاص و صفاتها و أسلوب حياتها أكثر من ما يهتم بمنطقها و أفكارها، يبحث عن رمز، لا أيديولوجية، لأنه في الأغلب لا يعرف معناها.

المواطن المصري العادي للأسف -و المواطن العادي في معظم المجتمعات - لا يتقبل الآخر، عنصري بعض الشيء، يأخذ من الدين المظهر و العبادات الجسمانية، روحانياته مكانها الصلاة إن سمح له، و لكنه نادرا ما يطبق دينه على معاملاته اليومية أو على إتقانه عمله.

يظن أن دينه – مهما كان دينه – هو كارنيه أو "باس" هيدخله الجنة مهما كَل حق الناس و سبلهم الدين يوميا.

ينصر الدين بحنجرته و ليس بقلمه.

يبهرك بعض الأوقات لوعيه لأشياء لا تتوقعها منه. يبهرك بذكائه الفطري و موهبته الخلاقة. ليجعلك تشعر بتأنيب الضمير عندما تحكم عليه بهذه الأحكام العنصرية السابقة.

و يدهشك في أوقات أخرى عندما تفتح معاه موضوع و تفتكره فاهمك و متابع معاك و لكنك فجأة تشعر كإن حاد داس على ريموته "بووز" و تلاقيه لا شايفك و لا سامعك و لا فاهم ولا كلمة من اللي إنت بتقولها.

هذا المواطن العادي يجعلك تتعصب على جهله أو سطحيته في بعض الأمور، و بعدها تفيق لتشعر أنك مغرور، من أنت لتحكم عليه؟ هل كان لديك مشاكله؟ هل عشت أنا مثلا ما عاشه من مآسي و أنا مولود في أسرة عندها أكثر من سيارة؟ هل كان يأتي له والده بهدايا كتب في عيد ميلاده؟

هذا المواطن العادي عندما كان يكافح ليحل مشاكل سدد إحتياجاته اليومية يجد أن اليوم خلص و لازم ينام عشان يصحى بكره يكافح لحد ما اليوم يخلص، لحد ما حياته تخلص.

و لكن ترجع و تقول، طب ما فيه غيره في نفس ظروفه كافحوا بس أصروا، و إتعلموا، و إتميزوا، و ثقفوا نفسهم و ماكنش عندهم عشر اللي عندي و أنا ماعنديش عشر فكرهم و ثقافتهم و طموحهم و رؤيتهم للأمور.

و هنا ترجع لنفس المعضلة الفلسفية، البيضة و لا الفرخة، يا ترى علشان الناس كده، كسلانين، و مش مهتمين، كان سهل يتكونلهم مع كل حاكم ديكتاتور يحتقرهم و يظن أنه هو الملهم اللي فاهم مصلحتهم، و لا هو علشان اللي مسكونا ديكتاتوريين بطبيعتهم إشتغلوا على إنهم يخلوا الناس كده؟

و ده بيبقى آخر الطريق، اللي أعتقد حله إن واحد من الإثنين ياخد المبادرة و هتلاقي الثاني إتصلح، و الثورة خلت الشعب زي الفرخة، اللي باض لامؤاخذة بيضة و مستني تفقس، نشوف هتطلع عاملة إزاي و هتنتجلنا فراخ عاملة إزاي.

و عشان كده أنا مقتنع إننا لازم نرقد على البيضة و نتفائل و نشتغل بجد لحد ما الكتكوت يكبر و يفقس لوحده و مانستعجلش لحد البيضة تبشبش و العوض يبقى على الله.

ثانيا.. السلفي.

زمان و أنا صغير كنت مقتنع إني مسلم، و على كبر قوي، إكتشفت إن مسلم ديه تحتها -أو فوقيها- تشعيبات كثير، في سني، و في محافظ، و في إخواي و في شيعي، و في مسلم القهوة اللي هو في البطاقة مسلم و بيحب دينه قوي بس للأسف مابيعملش بيه أي حاجة، و في سلفي.

لا و إيه إكتشفت إن السلفي طالع منه حاجات كثير، سلفي جهادي يأمر بالجهاد لإرجاع الإمارة الإسلامية، و سلفي منزلي، مقتنع بالإلتزام بالعزلة تجنبا للفتن، و سلفي متعاطف مع وجهتين النظر دول.

و بعد فترة من رؤية أفكار السلفيين و معرفة فكرهم، شعرت بالخوف، لا شعور آخر.

حاولت أن أضع نفسي مكانهم و أنظر للدنيا بمنظورهم، و شعرت أنهم فعلا غيورين على دينهم، و يخافون عليه، و قد تكون المشكلة أن تعاريفهم عن الأشياء مختلف عننا، ما يسمونه ليبرالية، أسميه أنا إنحلال، ما أسميه أنا ليبرالية لا يوجد له تعريف عندهم.

من أسميهم أنا أهل كتاب، يسمونه هم كافر، من أسميه أنا متشدد يسمونه هم ملتزم، من أسميه أنا متدين يسمونه هم منحل و منافق.

حب الآخر عندهم معناه خيانة للدين و تفريط في حقوقه.

حاولت أن أتخيل أن كلامهم صحيح، و أن كل شيء أظنه عادي هو عندهم شيء يغضب الله و يهز عرش السماء و هو السبب العلمي لكل براكين الكون و زلازيله كدلالة على غضب الله علينا.

حاولت بكل جهد و الله شاهد على ما أقول، أنا أتبنى هذه الأفكار لبعض الوقت في حياتي، و لكني مررت بتجربة لن أخجل الآن من سردها لأول مرة.

شعرت أن الله ليس غاضبا كهذا، الله الذي هو رحمته أعظم من رحمة الأم مائة مرة، كيف يكون دائما غاضبا كهذا؟

على حسب كلامهم لن يدخل الجنة إلى المسلم السني الملتزم الذي ينهج منهج النهج الصالح، أي من سكان الأرض هم واحد على عشرين. بالظبط، مليار مسلم، أي سدس العالم، سدسهم سنيين و الباقي شيعة، و لو إفترضنا إن السلفييين هم نصف السنة، فهذا يجعلهم واحد على عشرين من تعداد البشر على الكوكب.

هل يخلق الرحمن الرحيم العدل عشرين مخلوق ليزج بتسعة عشر منهم في النار للأبد، أما الشخص الباقي يعذب لمئات السنوات ثم يدخل الجنة؟

أليس هذا خطاب و فكره تجعل حياتنا تتمحور نحو الخوف ليس الحب؟ الطاعة العمياء ليس الولاء الصادق؟

كيف تكون واثق لهذه الدرجة أن ما تقوله صحيح و أي رأي آخر هو رأي ضال ملعون و تسمي هذه الثقة إيمان بالله؟ هل أمرنا الله بسد أذننا، و الحكم بعد السماع و لكن قبل الإنصات؟

لماذا لا أجد في خطابهم كل ما هو في الخطاب الإسلامي الذي تربيت عليه و حبيته؟ أين قصص السيرة النبوية التي أكدت على حب الحياة و حب الآخر.

هل عندما روج محمد – صلى الله عليه و سلم – الإسلام قام بترويجه بتخويف الناس من العذاب؟ و كان عمله فقط أن يقسم الناس بالمؤمن و الكافر؟ ألم يكن يعامل الكافر أفضل من ما يعامل المسلم ليروج لأداب دينه و سماحته؟ ألم يكن يحارب فقط عندما يهاجم الآخر دينه كدفاع عن النفس؟

هل قتل محمد المدنيين العزل حتى في أكثر الأوقات ضعفا و حينما لم يكن لديه خيار آخر؟ هل إنتظر و عد العدة أم كان يقتل كل خمس دقايق أسر و نساء و أطفال؟

أين قصص سؤاله عن اليهودي جاره عندما إنقطع عن إيذائه؟ أو عندما بكى على موت الأرواح حتى لو كانت كافره؟

و هنا أصل لحارة سد، الله تعريفه عندي هو كل شعور داخلي يوصلني للسعادة و الطمئنينة و حلاوة الإيمان، الله هو الحب و الرحمة و السماحة و الأدب و الكرامة و العزة و العفو عند المقدرة و لن يكون الخوف و العنف و الغضب و الحكم على الناس.

ثالثا.. الليبرالي المتعصب.

هناك من الليبراليين من هم فهمهم بالنسبة لي صعب كالسلفيين.

أنا أؤمن بحرية الآخر، و أن لا إكراه في الدين، و أن الإنسان حر ما لم يضر، حتى لو كان كفر، فما بالك لو أخطأ أي خطأ أصفه بالخطيئة أو الحرام أو العيب.

و لهذا كنت أظن نفسي حتى أقرب إلى الليبرالية، و لكن الليبرالية نفسها لها حارة سد عندما أفكر فيها بتعصب مثلهم.

أليس التعصب في حرية الفرد هذا معناه مثلا أن الإنسان من حقه مثلا أن يدخن السجائر؟ و أليس من حقه أيضا أن يعالج على نفقة الدولة؟ أي على نفقتي أنا و كل من يدخن؟ و هو يعلم مسبقا أن تدخينه سيضر بصحته؟ أليس هذا معناه أنه يأتي على حقي و حق غيري في العلاج و بإختياره؟

أين الخط الفيصل فعليا بين الضرر العام و الضرر الخاص؟

و أليس من الليبرالية العمياء ما يدفعني لأفكر مثلا في موضوع مثل المخدرات؟ - و هي واحدة من المواضيع التي كرست و سأكرس من حياتي و فني لمحاربتها – أليس من الليبرالية أن تكون المخدرات متاحة؟ لماذا لا تنزل مثل السجائر مكتوب عليها (تحذير: هذه المخدرات تسبب عدم الوعي و الإدمان و قد تؤدي إلى الوفاة و غير مصرح بها لمن هم دون ١٨ سنة) أنا شخصيا لا أجدها تختلف كثيرا عن السجائر إلا في تغيب الوعي، و لكن الخمرة تباع و مباحة، فأين السر؟

و هنا يأتي سؤال فلسفي عن الحرية الشخصية، أليس كل فعل شخصي هو في ذاته فعل عام؟ عندما أدخن السجائر، أليس هذا دعاية غير مباشرة للسجائر؟ أليس كل مدخن هو إعلان متحرك يجعل طفل غير مدرك يدخن قبل أن يصل لسن الوعي؟ أو يدخل اللاوعي ليؤثر على شخص واعي حتى.

ليأتي المجتمع المتحرر ليضع قيود يومية أكثر عنفا على السجائر – مثل منعها في معظم الأماكن و حتى في شوارع في بعض البلدان و محاولة منعها في الأفلام و المسلسلات الأمريكية حتى- و قيود تكثر يوميا على الخمور أيضا ليرجع و يضر بالحرية الشخصية، و هنا نقول "دوخيني يا لمونة“.

رابعا.. الأجنبي.

كل من هو لم يعيش معنا و لم يدخل مدارسنا و لم يمشي في شوارعنا و لم يسمع خطب الجمعة المفيدة جدا التي كنا نسمعها.

الأجنبي هو من يعلم عننا من السي إن إن أو فوكس نيوز أو يورو نيوز.

الأجنبي من فكرته عني أنني بما إني مسلم فأنا أسامة بن لادن، أنا أظن أن الحل الوحيد لمشكلة فلسطين هو قتل المدنيين العزل حتى لو كانوا مسلمين، و ليس بالنهضة العلمية و الإقتصادية لإملاء شروطي.

الأجنبي فكرته عني بما إني مصري أنني أركب الجمال و الأحصنة و أعيش في خيمة، و للأسف تأكدت عنده الفكرة عندما رآى موقعة الجمل في ميدان التحرير.

الأجنبي يظن دائما إني إنسان غاضب و عنصري و جاهل و كاره له و أنوي قتله.

فلهذا هو عنصري معي، و لكنني أرجع و أقول ثاني، أليس هذا هذا في حد ذاته جهلا منه، و سد أذن كما نفعل هنا بالظبط، هل حاول فهمي؟ مش بس جه و مشي في كام شارع، هل قرأ التاريخ بتاعي زي ما أنا عارف التاريخ بتاعه، حد عرفه إني ماكرهتش إلا لما جعت فمخي وقف و صدقت كل من لام الغرب و المؤامرة على جوعي و جهلي؟

أليس هذا الأجنبي الذي إهتم بصالحه فقط و نسى صالح الجماعة، الجماعة ليست فقط أسرتك أو من يعملون معك، أو حتى بلدك، أليست الجماعة هي البشرية كما تزعم؟

بعد وضعي نفسي في مكان كل آخر، أتفهم بعض الأشياء و لكني أعجز عن فهمها كلها.

أعجز حتي في إدراك أي آخر هو أنا.

أعجز في إيجاد حقيقة مطلقة أو تعريف واحد أستطيع أن أقف تحت مظلته، لأظل في نظر الآخر إن كان محافظ عني منحل و إن كان متحرر عني متشدد.

لكني - و ذلك هو الأكيد - لن أعجز عن أن أحاول دائما في تقبله، و حبه، و عدم إيذائه و التعايش معه في بلد واحد أرض واحدة و تحت شمس واحدة.

لإني مؤمن أنه مثلي إنسان.

و من صفات الله أنه بديع، بدع في رسمنا كلنا بملايين الأشكال و الأفكار و التوجهات و الإيمانات، أبدع في رسمنا كلنا، كل بأختلافاته، كل بصمة، إن كانت بصمة إصبع، أو عقل أو روح.. فريدة... و مختلفة.

لكن قمة الإبداع أننا مع كل إختلافاتنا... متشابهين.

وصلات



تعليقات