كان 1994 عاماً استثنائياً في تاريخ السينما ، عَرِف فيه العالم اسم مُخرج مَغمور يُدعى " كوينتن تارنتينو" صَعَدَ إلى مَسرح كان ليحصد السعفة الذهبية عن فيلم " بلب فيكشن" ، والذي سيعتبره الكثيرين فيما بعد "أعظم ما قدّمته التسعينات" ، كان الظهور الأخير للمخرج البولندي "كريستوف كيسلوفسكي" عبر "ثلاثية الألوان" العظيمة ، سَرَد فيه تيم بيرتون سيرة "أسوأ مخرج في تاريخ هوليوود" "إد وود" ليقدّم واحداً من أعظم أفلامها ! ، توم هانكس و روبيرت زيمكس ذهبوا في رحلة طويلة لأدق تفاصيل الحياة الأمريكية المُعاصرة في "فوريست جامب" ، تيم روبنز قرر الهَرَب من "إصلاحيّة شوشانك" وتَبَعه مورجان فريمان بإطلاقٍ سراحٍ مشروط ، وهو - إلى جانب كل هذا - العام الذي قدّمت فيه شركة ديزني العريقة أعظم أفلامها - من وجهة نظري - " الأسد الملك" .
حقّق الفيلم عند عرضه في 1994 نجاحاً مُذهلاً ، وصفه النقاد بكونِه أكثر الأفلام الكرتونية نُضوجاً ، وقُدرة مُثيرة للدهشة على صنع توازن بين مخاطبة العقل والعاطفة عند الأطفال والكِبار ، ليُتَوَّج هذا بإيرادات استثنائية ، لم تفرضه فقط أنجح فيلم كرتوني في التاريخ ، ولكن أيضاً رابعاً في تاريخ شباك التذاكر الأمريكي خلف "حرب النجوم" و"إي.تي" و"حديقة الديناصورات" ، وعالمياً .. حَلّ الثاني مباشرة - وراء "حديقة الديناصورات" الذي أُنتج قبله بعامٍ واحد - بـ"783.400.000" دولار حققهم حول العالم .
تغيَّرت الكثير من الأمور بعد ذلك ، بدأت شركة بيكسار في إصدار أفلامها ، قلّ إنتاج شركة ديزني عدداً وجَودة ، وبقى هذا الفيلم هو "كلاسيكية ديزني الأخيرة":بالحَبْكَة الهاملتية العظيمة عن الأسد الصغير الذي يُريد الانتقام من عمه بعد قتله لوالده ، بموسيقى هانز زيمر وأغاني الفيلم التي ظلت خالدة ، بشخصياته التي وصلت من النجاحِ إلى حد إنتاج أعمال أخرى تحمل اسمها ، بأصوات جيمس إيرل جونز و جيرمي آيرونز و عبدالرحمن أبو زهرة ، بلحظاتٍ ظَلّت دوماً في الذاكرة: موت مُفاسا أو النّداء المُهيب على سارابي ، الصراع الأخير بين سيمبا وسكار ، أو بجمُلٍ لن ينساها أيًّ ممن شاهد الفيلم بدءً من: "أهو أنا لا هبقى في يوم ملك الغابة ولا انتَ هيطلع عليك يوم تاني" وصولاً لـ"أصدقاءك هو مش لسه قايل علينا أعداءه ؟! .. لا مَكَنْش قصدي" ، كلاسيكية حقيقة تكوّنت عبر سنواتٍ طويلة .
وبعد سبعة عَشر عاماً ، قررت الشركة إعادة طرح كلاسيكيتها في نُسخة جديدة ثلاثية الأبعاد ، تقوم فيها ببعض التغييرات التقنية ، ثم يُطْرَح في دور السينما ، ليحدث ما كان مُتوقعاً: "الملك رجع" ليحتل قمة إيرادات السينما ، بـ"30 مليون دولار" تُضاف إلى ما سبق أن حققه قبل وقت طويل .
استقبل النقاد والجمهور العمل باحتفاءٍ حقيقي ، لا ينبع من التغيّرات البصرية التي طرأت على الفيلم ، بقدر ما يأتي من الفيلم نفسه ، واستعادة ذكريات مشاهدته الأولى .
والشيء العظيم في الأمر كان الآتي: الأطفال الذي شاهدوا الفيلم عند صدوره قد صاروا شباباً ، والشباب قد أصبحوا رجالاً ، والرجال قد أمسوا شِيباً ، 17 عاماً ، تغيَّرت فيها العديد من الأشياء وكَبُرَت ، ليصبح الأمر اسنعادة للأيام والتفاصيل القديمة ، كأن يعود الزمن إلى الوراء ، ويُشَاهِد هؤلاء هذا الفيلم مرة أخرى داخل قاعة سينما - ربما نفس القاعة - ، بفروقاتٍ تبدو أقل من حقيقتها ، بين ما كانوا عليه وما صاروا إليه ، إنه أمرٌ مُذْهِل .
بعد عام واحد من صدور الفيلم في 94 ، أصدرت شركة "بيكسار" فيلمها الروائي الأول المُنَفَذ بالكامل على الكمبيوتر "حكاية لعبة" ، صانعة نَقلة استثنائية في تاريخ السينما ، وأتبعته بإحدى عشر فيلماً ، احتلوا دوماً صدارة الأفلام الكرتونية خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة ، وبدا الأمر بالنظر إلى ديزني كقصة حزينة عن التغيير الذي يَحْدُث ، والتطوُّر الذي لا يبقي الأشياء على حالها ، وقارن البعض بين أن يكون "الأسد الملك" هو آخر أفلام ديزني العظيمة .. بفيلم "الشروق - Sunrise" عام 1927 ، والذي كان آخر ذورات السينما الصامتة رغم كونه واحداً من أكثر أفلامها خلوداً ، ذلك ﻷن السينما قد نَطَقَت بعدها ، وحدث التطوُّر الذي كان يجب أن يحدث ، تماماً كبدء إنتاجات بيكسار وتنفيذ الأفلام الرسومية على الكمبيوتر .
ورغم كل هذا ، فإن "عودة ملك الغابة" إلى شاشة السينما ، قد أعادت الكثير من بريقِ الأيام القديمة ، ومَنَحَت الجمهور ، والشركة ، فُرصة الشعور - ولو لساعة ونصف هي مدة عرض الفيلم - بأن الزَّمن لم يتغيّر ، كُلّ شيء باقٍ على حاله ، ولو من وراء نظارة ثلاثية الأبعاد .