بدا الأمر وكأنه طقسٌ مقدس ، الأربعة آلاف مُستمع قد جاؤوا إلى مكانٍ يزوره أغلبهم للمرّةِ الأولى ، حيث "ساحل علما" ذات الشوارع الضيّقة ، اجتازوا صعوبة الطريق الجبلي ، والأمطار التي لم تهدأ ، وموقف السيارات الذي لم يجدونه ، تركوا عرباتهم في منتصفِ الطريق ، وذهبوا ، حتى لا يتأخروا على موعدهم مع السيدة " فيروز" ، جارة القمر ، والأسطورة اللبنانية الباقية .
وفي الموعد تماماً ، استمع الجمهور إلى صوت فيروز من خلفِ ستار مسرح "بلاتيا" ، وهي تقول "مسيتكم بالخير يا الجيران" ، قبل أن تطل بفستانها الأبض ، وتبدأ في الغناء .
وعلى عكس ما كان متوقعاً ، لم تكن للأغان الجديدة ، والتي عاصرها أغلب الحضور ، نصيباً كبيراً من أغنيات الحفل ، وكأن السيدة فيروز قد أرادت ، في الليلتين التي أحيتهم ، أن تحتفي بالماضي ، وتبدأ الرحلة من بدايتها ، منذ منتصف الخمسينات ، حيث الأخوين رحباني .
قدمت فيروز مجموعة من أغانيها مع الرحبانية ، "القمر بيضوّي ع النّاس" ، "تعا ولا تيجي" ، "على جسر اللوزية" ، "ضيعتنا" ، "دوّارة" ، قبل أن تُنهي الجزء الأول من حفلها ، وتترك للكورس الموسيقي الذي صاحبها ، والمُتَكَوّن من ثمانِ أشخاص ، مساحة لعزف مجموعة من مقطوعات الرحبانية ، مثل "يا ليل" و"مراكبنا على المينا" و"بدنا الطرقات" .
وبدأت فيروز الجزء الثاني من حفلها ، في حضورٍ أول لأغاني ابنها زياد رحباني ، حيث غنّت له "إيه فيه أمل" و"صباح ومسا" و" حبّيت ما حبّيت" ، وقبل أن تعود لتختتم الحفل بالأخوين رحباني من جديد ، لتغني لهم "فايق ولا ناسي" و"يا مغزال" .
وفي مشهدٍ بدا مُهيباً ومفاجئاً ، حملت السيدة فيروز "الدُّف" ، وغنّت مع الكورس الذي صاحبها أغنية قديمة من إحدى مسرحياتها ، تبتستم فيها للحضور حين تقول "إن ما سهرنا ببيروت ، بنسهر بالشام" .
وفي اللحظةِ التي تيلها ، جائت أبرز مشاهد الحفل ، حيث قام أحد الحضور بالصعود إلى خشبة المسرح ، وتقبيل يد السيدة فيروز ، التي ارتكبت ولم تعرف ماذا تفعل ، قبل أن ينزل الرجل الذي صعد لها مُحباً إلى كرسيه من جديد .
وتستكمل السيدة فيروز برنامجها الذي يتكون من أربع حفلات ، بحفلتين أخريتين على نفس المسرح ، يومي الجمعة والسبت المقبلين ، ليُجئ جمهوراً جديداً في رحلةٍ أخرى ، مُقدسة ، تضيئها "جارة القمر" بحضورها .