اغمض عينيك وتصور صورة لمصر..... لا يعرف أحد على وجه التحديد لماذا نتخيلها دائماً أنثى - أعتقد لأنها أم الدنيا - ، دقق أكثر في خيالك وحاول تصور ملامح تلك الأنثى، ستراها تشبه شادية المبتسمة وهي تغني "مصر اليوم في عيد"، مصر الغاضبة وهي تغني "الدرس انتهى لموا الكراريس"، مصر الحبيبة وهي تغني "ياحبيبتي يا مصر".
وفي ذكرى ميلاد الفنانة التي أطلق عليها النقاد في بداية مشوارها الفني لقب "دلوعة السينما المصرية"، حتى صارت "أسطورة السينما المصرية" يشعر الكاتب بالحيرة بل ويكاد يصرخ وهو يفتش في تاريخها الفني كما صرخ يوماً "على بابا" ويقول : ذهب، ياقوت، مرجان أحمدك يارب.
شادية صاحبة أشهر دويتوهات سينمائية وأنجحها، مع كمال الشناوي، و عبدالحليم حافظ، و فريد الأطرش، بل شكلت مع الثنائي شكوكو و اسماعيل ياسين ثلاثياً مبهرا، شادية صاحبة أهم الأفلام الكوميدية - على سبيل المثال " مراتي مدير عام" - شادية صاحبة أهم الأفلام السياسية - شيء من الخوف، شادية صاحبة أهم كلاسيكيات الأفلام الرومانسية - أغلى من حياتي -، بل وحتى أحد أهم المسرحيات الكوميدية حين وقفت على المسرح أمام عمالقته عبدالمنعم مدبولي و سهير البابلي لتناطحهم وتتفوق عليهم في " ريا وسكينة".
شادية هي المطربة الأنجح تمثيلاً، والممثلة الأنجح غناء، شادية هي ذلك الخليط الفني السحري الذي لا يتكرر مرتين، شادية التي اكتشفها حلمي رفلة وتبناها وأطلق عليها إسمها الفني وجعل منها "الدلوعة" قبل أن تنجح هي في تحويل هذا المسار بعبقرية فنية فطرية بتقديم فيلم " المرأة المجهولة" مع المخرج محمود ذو الفقار.
أسطورة فنية اعتزلت الفن وهي في قمة نجاحها، لتبقى صورتها في أذهان عشاقها مشرقة لامعة، ويبقى صوتها في أفئدة سامعيها باعثاً على البهجة والفرح والحزن والوطنية,
و سيذكر التاريخ أن تركيا قد احتلت مصر ابان الغزو العثماني، وأنها نقلت كل صانعيها المميزين إلى استنبول، لتتأخر مصر سنيناً وسنين عن ركب الحضارة، لكن المصريون سيغفرون هذا لتركيا حين يعرفون أنها أهدتنا فاطمة كمال الدين أحمد شاكر ذات الأصول التركية والشهيرة بـ"شادية"، تلك الفنانة التي يبتسم القلم ويرقص وهو يكتب عنها.