الذكاء الفني، ذلك المصطلح الغامض، أو بمعنى أخر الوحش الاسطوري، الذي يؤدي غيابه إلى إبتلاع مواهب كبيرة، وإختفائها من الساحة الفنية، وكأن ثقباً أسوداً قد إبتلعها، بينما يساعد وجوده أصحاب المواهب الحقيقية على إعتلاء القمم والبقاء عليها لأطول فترة ممكنة، بل ويساعد اصحاب أنصاف المواهب على التحقق والنجاح، وإن كانوا قديماً قد قالوا "قيراط حظ ولا فدان شطارة"، فالآن نقول " قيراط ذكاء ولا فدان موهبة".
كانت تلك المقدمة ضرورية للحديث عن نجم كبير، صاحب موهبة مبشرة، حقق نجاحاً كبيراً، وأكد النقاد على أن نصف نجاحه بسبب ذكائه الفني غير العادي، الذي يجعله يبذل مجهوداً مضاعفاً في كل عمل جديد يقدمه، بدء من مشروع تخرجه من معهد السينما، " ياباني أصلي"، والذي حوله إلى فيلم "الحاسة السابعة" ليضع قدماً على أول سلم النجاح، ثم بعد ذلك سيت كوم " تامر وشوقية" الذي إستخدمه لتقديم نفسه كممثل لجمهور عريض يشاهد التلفزيون، ليكون بعدها مع المخرج أحمد الجندي ثنائياً متوافقاً ناجحاً في عدة أفلام متتالية.
لينجح النجم أحمد مكي خلال ثلاث سنوات، في مناطحة النجم أحمد حلمي الذي احتل القمة منفرداً لمدة 4 سنوات قبل ظهور مكي.
كل ما سبق يشير غلى سطوع نجم موهوب، يمتلك من الذكاء الفني ما يتيح له البقاء للقمة، كما يمتلك بالغضافة إلى ذلك ولع الفنان الحقيقي في التجريب والمغامرة المحسوية، الذي يحميها ذلك الوحش الاسطوري، ويجعلها مغامرة ممتعة مضمونة، إلا أن هذا الوحش قد يخون صاحبه، ويظهر معدنه عندما ينجح في الوقوف مرة أخرى على قدميه والإستفادة من واقعة سقوطه، للعودة اقوى وأكثر نجاحاً، وهو ما حدث لمكي في فيلمه الأخير سيما على بابا، والذي فشل فشلاً ذريعاً، وخان مكي للمرة الأولى وحشه الاسطوري "ذكائه الإجتماعي"، وإن كانت لتلك الخيانة بوادر لما يلتفت لها المحيطون بمكي وناصحوه المقربون، وهي الأغنية التي قدمها عن "الفيسبوك"، والتي امتلأت بحالة نرجسية متضخمة، اصابت بعض المتابعين بالخوف على مصير نجم متميز، ولأن أحداً لم يلتفت، ولأن هواة التصفيق يصدرون أصواتاً أعلى من الناصحين، وقع مكي للمرة الأولى من على حصان المقدمة، ودخل في إكتئاب عميق هو ورفيق مشواره أحمد الجندي.
توقعنا بعدها أن يعاود مكي امتطاء وحش ذكائه الفني، والعودة بقوة للساحة، إلا أنه يفاجئنا هذه الأيام بأغنية أخرى تحت عنوان قطر الحياة، تنبيء عن سقوط جديد، أغنية شديدة الرداءة والمباشرة، كتبها بنفسه، وأخرجها له الجندي أيضاً، كلام ساذج، وتصوير أكثر سذاجة، يشبه كثيراً تصوير "كليبات" بداية التسعينيات، وتمت إذاعتها وسط إحتفاء المصفقين، وبين قلق المحبين.
مكي في طريقه لأن يكون النسخة العكسية من نجم أخر موهوب اسمه محمد سعد، أحدهما أختطفه وحش لاسفل، والآخر ينتظر دورة الوحش للغياب.