العلاقات الإنسانية هي أكثر الأشياء تعقيداً على وجه الأرض، نظراً لأنها تجمع بين أشخاص، شخصين أو أكثر، غير خاضعة ردود أفعالهم لقوانين الطبيعة، ولنفس السبب قد وُجدت المشاكل منذ بداية الخليقة وحتي وقتنا هذا.
الفيلم الإيراني الانفصال، أو إنفصال نادر وسيمين، أفضل العنوان الثاني أكثر لأنه معرف بأسماء، يقربني أكثر من المسألة قبل حتي مشاهدة الفيلم. الفيلم الذي تبدأ أولى مشاهده داخل قاعة محكمة صغيرة، بمناقشة حادة بين رجل وامرأة نفهم من خلال الحديث إنهما زوجان، تريد الزوجة الإنفصال عن زوجها، لرفضه الهجرة معها للخارج، رغبةً منها في تربية ابنتها في ظروف أفضل، في المقابل يرفض الزوج السفر لأنه لا يريد ترك والده المريض بالزهايمر وحيداً، وهنا يقف القانون موقف المحايد لا يدعها تنفصل، بسبب رفض أحد الطرفين للإنفصال، ولا يجد لها الحل المناسب في مشكلتها. فتترك الزوجة منزلها وتذهب للعيش في منزل والداتها، بينما يضطر الزوج إلي تعيين خادمة لترعي والده أثناء غيابه عن المنزل للعمل، ومن هنا تبدأ المسائل في التعقد، ومن هنا يدخل الزوج نادر في مشاكل لا حصر لها.
نجد في البداية أن شخصية نادر أقرب للمثالية، لا يريد ترك والده المريض حتي لو كان على حساب أسرته، يحاول تنشئة ابنته بطريقة صحيحة، تعليمها الاستقلال والاعتماد على نفسها، من خلال تفاصيل صغيرة أظهرها المخرج في مشاهد لم تتعدي الدقيقة، كأن يجعلها تقوم بتموين السيارة في محطة البنزين وهو الشئ غير المألوف كما يبدو، كما أنه شخص عملي بشكل حاسم، ابنته متعلقة به كثيراً، حد أنها ترفض تركه والذهاب مع أمها، تراه ربما القدوة والمثل، لكن وبوقوع نادر في مشاكل قد تؤدي إلي هدم الرمق الباقي من علاقته الأسرية التي يحاول المحافظة عليها، نجده يبدأ في التنازل عن مثاليته، ويقع في فخ الخروج عن الأخلاق من أجل حماية أسرته وابنته. أستطاع أصغر فرهادي أن يحصرنا مع البطل في منطقة لا رجوع فيها، حيث يرفض نادر تحمل مسئولية أخطاء فعلها، حتي يحافظ على شكله أمام ابنته، وكي يحافظ على اسرته، كذلك نريد نحن، ولكن بالنظر إلي الأخطاء التي فعلها في حق أخريين، نجد أننا قد ظلمنهم بتعاطفنا مع البطل، ونظل في دائرة من الحيرة لا نعرف في أي صف نقف، حتي نهاية الفيلم.
وجاء مشهد النهاية ليلخص الفيلم كاملا، فالمسئولية التي يتقاذفها الزوجان طوال مدة الفيلم، تنتهي بهما أن يتركاها بين يدي ابنتهما ذات الـ 11 عام لتقف هي في مواجهة قانون متعنت لا روح له، يطالبها بقرار تسبب في الوصول إليه عناد الزوجان. وترك المخرج النهاية مفتوحة ليزيد من شعورنا بالتعاطف مع الفتاة وموقفها الصعب.
الفيلم بشكل عام جيد جداً، يحمل كم هائل من المشاعر والتعقيدات الإنسانية، وهي قريبة بشكل أو أخر من مشاكلنا هنا في مصر، وقد تشعر معها أنك تشاهد فيلماً مصرياً بلغة أخري، يناقش قضايا تمسنا من الداخل، مابين العائلة ومفهومها، والإنفصال وتأثيراته، وتعنت القوانين، والعلاقات الإنسانية بشكل عام، كما يركز الضوء على طبقات إجتماعية متدنية، وما تواجهه من قهر.
مشكلتي الوحيدة مع الفيلم هي خلوه من أي موسيقي، رغم أن نوعية الفيلم والحس الإنساني بداخله يستدعي وجود الموسيقي جداً، فتشعر أن الفيلم جاف، عملي، كشخصية البطل، ربما أراد المخرج أن يصلنا هذا الشعور. لكن عمق الفيلم، وأداء الممثلين خاصة سارة بيات التي قامت بدور الخادمة كان أكثر من رائع، يجعلك ربما تتغاضي عن هذه النقطة.
وأنهي من حيث كان يجب أن ابدأ، شاهدت الفيلم بعدما قرأت أن المسئولون في جامعة القاهرة، رفضوا عرض الفيلم بعد أن إعترض بعض الطلاب على عرض فيلم إيراني في الجامعة، وأن هذا يعد مد شيعي وأشياء من هذا القبيل. والغريب بعد مشاهدة الفيلم أنني لم أجده يتلامس مع الدين من أي ناحية، فالفيلم انساني إجتماعي بحت، والحقيقة الوحيدة المؤكدة هنا ، أن المنع لن يمنع، لن يمنع من يريد مشاهدة الفيلم من مشاهدته، ولن يمنع حتي الباحث عن التعاليم الشيعية من الوصول إلي مبتغاه.
الطريف في الأمر أن مسئولون إيرانيون كانوا قد عبروا عن استياءهم من الفيلم، ومن الإهتمام العالمي به، كما أشاروا إلي أنه يسئ لإيران، ومُنع الفيلم من العرض في جامعة القاهرة بدعوي المد الشيعي، بينما حصد جائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي من أمريكا، وعدد كبير من الجوائز من مهرجانات أخري، وله في ذلك شئون.