يبدو أن الله قد خلق الحزن قبل السعادة، لأن التجربة البشرية قد اثبتت أن الضحكات تنبت من بين الدموع، وأن أكثر البشر حزناً، هم أكثرهم قدرة على إضحاكنا، وعلى رأسهم زينات صدقي، الفنانة التي ولدت كابتسامة ، قبل أن تتحول كبيرة إلى ضحكة على هيئة إنسان، والتي ينبض أدائها صدقاً، صاحبة الأداء التلقائي الفطري، الذي يقتحم القلوب والارواح دون إستئذان، تلك الفنانة صاحبة عبق السعادة.
ولدت إبتسامة السينما التي كسرت إحتكار الرجل للضحك، في حي الجمرك، في مدينة الفن الأسكندرية، قبل أن يدرك الحزن ذلك الخطر الذي يفوح منها برائحة السعادة، فيقرر شن الحرب عليها، ويتوفى والدها وهي في الثامنة من عمرها، ولكن الإبتسامة تتسع، فيواصل الحزن شن هجومه الغادر بتزويجها وهي لم تتعد الـ15 عاماً، زواج غير موفق للفارق الكبير في السن، لم يستمر سوى عام واحد.
وعندما قررت تحقيق حلمها بالعمل في مجال الفن، فالتحقت بمعهد أنصار التمثيل والسينما، وهو المعهد الذي أنشأه وكان يشرف عليه الفنان الكبير الراحل زكي طليمات والذي كان يشجع المواهب الجديدة، فيمنحهم راتبا شهريا، ولكن الاسرة عارضت هذا الإتجاه، مضيفة المزيد من التعاسة على روح ضحكة السينما العريضة، لتقرر زينات صدقي الهرب إلى لبنان بصحبة والدتها ورفيقة رحلتها خيرية صدقي، للعمل كمونولجست ويبقى أشهر ما غنته مونولوج تقول فيه"أنا زينات المصرية.. أرتيست ولكن فنية.. أغني وأتسلطن يا عينية.. تعالى شوف المصرية"، لتتذوق طعم النجاح للمرة الأولى.
إلى أن تلقت "علقتها" الكبرى على يد المطربة فتحية أحمد، التي ضبطتها تغني أغانيها على المسرح، لتعود مرة أخرى للقاهرة هرباً من يد الحزن العاصرة، ولتعمل "كورس" في فرقة بديعة مصابني.
ليكتشفها بعد ذلك الفنان العظيم نجيب الريحاني ويقدمها كممثلة على مسرحه، أما السينما فبدأت عملها فيها بأدوار صغيرة للغاية، مثل فيلم " الاتهام" عام 1934.
لتنطلق بعد ذلك محلقة في سماء السعادة، باعثة البهجة في كل مشاهديها وعشاقها عبر العديد من الأدوار الممتعة، قاهرة ذلك الحزن العاتي الذي يغتال روحها، بتفجير الضحكات الواحدة تلو الأخرى في وجهه الكئيب، زينات التي بقت خالدة في نفوس وذاكرة الجمهور العربي، على الرغم من رحيلها في 2 مارس من عام 1978.