في داخل كل منا طفل صغير، حقيقة قد ننكرها بعض الوقت، أو أمام الناس، لكننا نعيها جيداً وحدنا، أمام المرآة حين تبتسم لنفسك سعيداً بمظهرك، عندما تخاطب "كرشك" غاضباً لأنه زاد 2 سم، عندما تملأ حوض الإستحمام وتقرر الغطس فيه مداعباً سطح الماء بأصابعك.
وبداخل هذا الطفل قطعة يزيد حجمها أو يقل صنعها شخص يدعى هانز كريستين اندرسون، أبو "الحواديت في العالم، ذلك الساحر الدانماركي الذي ولد في الثاني من ابريل عام 1805 في أودينس بالدانمارك، لأب اسكافي فقير مريض وأم تكبر زوجها بسنوات عديدة ، كانت تعمل غسّالة، مدمنة للخمور غير متعلمة ، تؤمن بالخرافات ، وهي التي فتحت لابنها عالم الفلكلور، توفيت عام 1833 .
هذا الكاتب الذي ترك بحكايته التي تداولتها الشعوب، وحكتها الأجيال لبعضها البعض، أثراً لا ينمحي داخل كل إنسان بحكايات مثل حورية البحر الصغيرة، البطة الصغيرة القبيحة، عندليب الإمبراطور، الجندي الصفيحي، ثياب الإمبراطور الجديدة، ما الذي رآه القمر؟، الأمير الشرير، الخنزير المعدني، القداحة العجيبة.
ترك والده بداخله أثراً لا ينمحي، حيث كان يقرأ له يومياً قصة في تمام الساعة الثامنة مساءً ينام على إثرها بمخيلة بدأت تنتعش يوماً بعد يوم، الأمر الذي بذر في داخله حب " فن القص " الذي تطوّر لاحقاً إلى منهج أدبي وفني أفضى به إلى كتابة قصص للأطفال والكبار، تناول فيها حكايات الجن، والعفاريت في الأرض المسحورة التي حققت له لاحقاً نجومية لم يحوزها أحد من أدباء الدنمارك السابقين أو اللاحقين.
وعندما أنهى أندرسون تعليمه الثانوي سنة 1828 عقد العزم على أن يصنع من نفسه كاتباً مشهوراً لأنه كان يرى في نفسه مخايل الذكاء، ويشعر أن ما يعتمل في ذاكرته جديراً بالتوثيق. لذلك كتب روايته الأولى ونشرها في غضون سنة، وفي عام 1837 بدأ في كتابة قصص الأطفال التي حققت له شهرة عالمية.
وقد كتب 350 قصة خلال سنواته الإبداعية، كما كتب الكثير من الروايات، والمسرحيات، والأشعار. وكتبه مقروءة في مختلف أنحاء العالم.
ولأنه عاش طفولة بائسة حزينة، كان أندرسون حريصاً في كل قصصه على أن تكون البهجة بطلتها الأولى، وعلى أن يدخل الفرحة والسعادة إلى قلب كل طفل يسمع حكاياته أو يقرأها، لذلك تعلق به الكبار قبل الصغار، وبقى جزء لا يتجزأ من كيان كل إنسان، يحترم ذلك الطفل الصغير بداخله.