"في أحيانٍ كثيرة أشعر أنني لا أنتمي لهذا العالم ، أبحث عن نفسي حينها في عوالِمٍ أخرى" .. المُخرج جون هيلكوت
على الرغم من إخراجه فيلمين خلال عقدي الثمانينيات والتسعينات ، إلا أن أحداً لم يعرف المخرج الأسترالي جون هيلكوت إلا مع عام 2005 ، حين أخرج رائعته الأولى "The Proposition": فيلم "ويسترن" غير تقليدي ، يعتمد بالأساس على حَبْكَة وصورة شاعريين للغاية ، عن أخ يجد نفسه في اختيارٍ صعب: إما أن يَقْتُل أخيه الأكبر ، المجرم والهارب من العَدالة ، أو يُقتَل أخيه الأصغر ، على يَد شريف البلدة الذي يُهَدّده .
نَفَس إخراجي عَمِيق من هيلكوت ، جَعل الفيلم أحد أكثر الأفلام المُمْتدَحة وقتها ، وجذب هوليوود إليه كي يُخرج هناك فيلمه الثاني " The Road" ، عن نَص أدبي للروائي كورماك مكارثي: قِصة مُستقبلية في نِهاية العالم ، عن أب وابنه يحاولان البقاء على قَيدِ الحياة ، بعد فناء الجَميع ، وعلى الرغم من تقليدية القصّة ، إلا أن وجود هيلكوت وراء الكاميرا حَمَّلَها برؤيةٍ جديدة ، عَن الخَطّ الفاصِل بين اليأسِ والتّعب والإرهاق ، وبين التّوقِ للحياة والتمسُّك بالأملِ .
في كلا الفيلمين ، الذي دار أحدهم في الماضي ، والآخر في المستقبل ، احتفظ جون هيلكوت بعدّةِ سِمات: الرؤية المُوْحِشَة للعالم ، العائلة التي تُحاول الحِفاظ على نَفسها وسط الجُنون ، العُنف الصارخ وسط صورة شاعريَّة ، بالإضافةِ إلى نَفَسٍ هادئ في السّردِ والحَكِي ، وإيقاع تأمُّلِي للغاية حتى وهو يقدّم أعمال قد تُصَنّف كـ"إثارة" أو "جريمة" .
وفي فيلمه الثالث ، الذي يعرض اليوم ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي ، ويحمل اسم " Lawless" ، يعود جون هيلكوت ، في هوليوود مرة أخرى ، حاملاً نَفس الرؤية التي مَيّزت سينماه في فيلمين سابقين ، ومُنافساً – للمرةِ الأولى – على السّعفة الذهبية .
ثلاثة أخوة في صراعٍ مع القانون ، مرة أخرى بعد "The Proposition" ، ولكن تلك المرة في ولاية فيرجينيا مَطْلع الثلاثينات ، وتجارة الكحول بشكلٍ غير شرعي ، ومع شرطة يتآكلها الفَساد ، ومَدِينة تغرق في كَسادٍ اقتصادي ، فإن الحِفاظ على عَملهم دون الوقوع في المخاطر يبدو مُستحيلاً ، ومع رَفض مُشاركة ضُباط في حِصصهم ، فإن الأمور تُصبح أكثر تعقيداً .
يَستعين هيلكوت في كتابة سيناريو الفيلم ، بصديقه الموسيقي الذي شاركه في كل أعماله "نيك كيف" ، وهو مؤشر للرؤية التي سيحاول تقديمها في فيلمِ بوليسي يدور في حقبة غرب أمريكي ، والتي تُصبح أكثر وضوحاً حين يُبرر مشاركة نيك في كتابة السيناريو: "دائماً ما كُنت أُسْتَلْهَم تفاصيل المَشاهد من موسيقاه ، وأعتقد أنها لن تَخْرج للنور بدونه ، وها نَحن سوياً من جديد ، هل من الممكن تفهّم أنه يَكْتُب مَعي بالموسيقى ؟ هذا هُو الأمر".
وبطاقِم تَمثيل رائع ، يضم جاري أولدمان، توم هاردي، جاي بيرس، جيسيكا تشاستين– بطلة فيلم " شجرة الحياة" الفائزة بسعفة كان في دورته الأخيرة - ، فإن هيلكوت لن يُقدّم شيئاً أقل من رائعتيه السابقتين ، خصوصاً بعد مُقارنة النّقاد بينه وبين تُحفة المخرج سيرجيو ليوني العَظيمة " Once Upon a Time in America" ، من ناحية تناول العملين لمرحلة زمنية واحدة ، ولعبهم على وَتر تأثير الجَريمة على علاقات الأُخوّة/الصّداقة .
"لا أنكر أنني من المُعجبين بليوني ، وأعتقد أن فيلمه ألهمني الكثير ، من ناحية بصرية وقصصية ، أردت فهم العالم من خِلاله ، وخلق رؤية خاصة عنه في فيلمي" .. جون هيلكوت / المؤتمر الصحفي للفيلم / مهرجان كان 2012
رُبما لن يَكُون "فيلم السعفة" في كان هذا العام ، ولكن وجوده في المُسابقة هو مؤشر بذاته ، وبشكل شخصي .. أعتقد أن هذا الفيلم سيكون واحداً من أفضل أفلام 2012 .