مدغشقر٣.. عن التمرد والوطن

منذ سبع سنوات بدأ الجزء الأول من سلسلة مدغشقر والذي حقق نجاحاً كبيراً في ٢٠٠٥ بأبطاله الأربعة الأسد أليكس، غلوريا أنثى السيد قشطة الناعمة، مارتي الحمار الوحشي ومليمان الزرافة المهووسة بالجراثيم والحفاظ على صحتها. أربعة شخصيات تم بناءهن بشكل ناجح ومحكم تماماً للدرجة التي تجعلك يمكنك التنبؤ بتصرفاتهن في المواقف المختلفة، وذلك البناء المحكم هو الذي نجح في تقديم مزيد من الأحداث والأجزاء الجديدة لهؤلاء الشخصيات التي جسدها الممثلين كريس روك، ديفيد شويمر، بين ستيلر وجادا بينكيت سميث.

في كل فيلم كانت الشخصيات الأربعة تتطور بشكل ملحوظ، وكان التحدي الأكبر لصانعي الفيلم هو الاستمرار في ذلك التطور دون أن تفقد الشخصيات ملامحها الأساسية، لذا كان التركيز في الجزء الثاني والثالث بنسبة كبيرة على الحدث وتعامل الشخصيات مع تغير الأحداث، فالتمرد الذي وقع منذ سبع سنوات حين اقترح مارتي الحمار الوحشي الخروج من حديقة حيوانات سنترال بارك بنيويورك بمساعدة البطاريق العباقرة إلى مدغشقر، كان البداية لسلسلة من الأحداث تطورت في الجزء الثاني ليصلوا إلى أفريقيا، ومن هناك تبدأ أحداث الجزء الثالث بعد أن تكون الشخصيات الأربعة قد مروا بتجارب عديدة في حياتهم خارج حديقة حيواناتهم المحدودة ليزدادوا ثقة في أنفسهم.

من أفريقيا يرى الأسد أليكس حلماً أو كابوساً بمعنى أدق يوحي له بأنهم لن يغادروا أفريقيا أبدا وسيشيخون فيها، الأمر الذي يجعله يسعى للوصول للبطاريق الذين ذهبوا إلى مدينة سانت مونيكا في أوروبا لاستخدام الطائرة والعودة بهم لوطنهم (حديقة حيوان سنترال بارك).

طوال أحداث الفيلم هدف الحيوانات الأربعة واحد، وهو الوصول والعودة إلى الوطن الذين خرجوا منه وتمردوا عليه منذ سنوات، ولكن سرعان ما يكتشفون أن الوطن ليس ذلك المكان الذي تربيت فيه وأنت صغير، وإنما المكان الذي يشعرك بالانتماء إليه، وهو ما وجدوه لاحقاً أثناء رحلتهم في سيرك زاراكوزا، ذلك المكان الذي فجر طاقاتهم وجعلهم يقودون حملة لتطوير السيرك وتقديم عرض لا مثيل له في مشهد ممتع إلى أقصى درجة يجعلك تخرج من الفيلم وأنت تغني أغنية السيرك الأفريقي الذي غناها الحمار الوحشي مارتي طوال الفيلم.

منذ بداية الأحداث والتمرد دوماً على الوضع القائم هو سبب تغيير الحال للشخصيات جميعاً، فالحيوانات لم ترتضي بواقعها الممل في حديقة الحيوانات، وفي أفريقيا تمردوا على وضعهم ليقرروا الذهاب خلف البطاريق في مشهد يقول فيه أليكس (نحن الأربعة يمكننا عمل أي شيء لقد طفنا حول العالم وحدنا)، وحتى حين ذهبوا إلى السيرك ولم يكن لديهم خبرة في إدارة السيرك، ولكنهم استطاعوا تقديم طفرة في أداء السيرك فقط بمبدأ الشغف، أن تحب ما تفعل بغض النظر عن التقاليد التي عليك أن تتبعها.

فيلم مدغشقر ٣ الأوروبيون المطلوبوناستطاع أن يقدم تميزاً وإبهاراً بصرياً في أسلوب عرضه بتقنية الأبعاد الثلاثية 3D، وخاصة خلال عروض السيرك المبهرة التي تشبه كثيرا عروض Cirque de soleil العالمي. بنهاية الأمر تجد أن الفيلم يجمع عناصر الفيلم الناجح من إبهار بصري، كوميديا ناجحة، شخصيات محكمة البناء، أحداث متطورة وأخيراً معنى وراء كل تلك الأحداث فلا يقتصر الأمر على الترفيه وحده، ربما كل ذلك كان السبب في أن يحتل الفيلم المركز الأول في إيرادات شباك التذاكر وصلت إلى ٦٠ مليون دولار في أسبوع عرضه الأول.