ربما لو استمع الفنان الراحل يوسف وهبي بعد عودته من دراسة الفن في روما إلى نصيحة جورج أبيض، بالعمل في المجال الكوميدي لتغير وجه الكوميديا في مصر، حيث رفض الراحل هذه النصيحة واثر على أن يقدم الميلودراما والتراجيديا، ولم نراه يتبع هذه النصيحة إلا في بداية الستينيات - بعد 40 عام من النصيحة -حين قدم رائعته " إشاعة حب"، ليري المشاهدون للمرة الأولى الوجه الأكثر إشراقاً وإبداعاً في مسيرة يوسف بيك وهبي.
الفن والثورة قرينان، قلما ينفصلان، لذلك كانت ثورة الشاب يوسف وهبي على عائلته التي رفضت عمله في مجال التمثيل، مقترنة بالغضب والرغبة الشديدة في تحقيق الذات عن طريق الفن الذي عشقه، شغف بالفن لاول مرة في حياته عندما شاهد مسرحية " عطيل" باداء فرقة الفنان اللبناني سليم قرداحي، وذلك حين عرضتها الفرقة في سوهاج، التي سافر غليها من الفيوم مسقط رأسه وحيث كان يعمل والده مفتش الري، بدأ هوايته بالقاء المنولوجات واداء التمثيليات في النادي الاهلي والمدرسة، قبل أن يقنعه صديقه الفنان محمد كريم بالسفر لدراسة الفن وإحترافه في إيطاليا، وهو ماحدث بعد مقاومة شديدة من الاسرة، ليدرس على يد الفنان الإيطالي كيانتوني- احد كبار المسرح الايطالي، وعاد ليرث ثروة ضخمة عن والده، ينفقها بالكامل على الفنن حيث قدم 302 مسرحية، أخرج منها 185 وكتب منها 60.
ذلك الفنان الذي منحه الملك فاروق " البكوية" في أول عرض لفيلمه " غرام وانتقام" بسينما ريفولي، والذي منح حياته وثورته وعمره للفن، والذي اعتبره الكثيرون عميداً للمسرح المصري، مثالاً حياً للإرادة، وكيف تستطيع تحقيق حلمك مهما كانت المصاعب.
لكن كعادة مصرية - تبدو وكأنها صارت عرفاً - مات يوسف وهبي فقيراً معدماً، كتلك الـ"ميلودراما" التي قدمها في بداياته، حيث عاش على مصروف يومي خصصه له أخوه، لتبقى مقبرة المبدعين ويعيش انصاف الموهوبين.