أين ذهب يهود مصر؟ سؤال حاول المخرج أمير رمسيسإجابته من خلال ثلاثه عروض لفيلمه الوثائقى" عن يهود مصر"، وهى الثلاثة عروض التى قررتهم إدارة بانوراما الفيلم الاوروبىالدورة الخامسةبشكل سريع كحل للزحام الشديد على حضور الفيلم، إداره البانوراما نجحت فى التعامل مع الزحام ولم تخذل من رغبوا فى مشاهدة الفيلم، لكن هل اجاب الفيلم عن السؤال؟.مع المشاهد الأولى للفيلم والتى تضمنت اراء عدد من المصريين فى الشارع عن اليهود، تكتشف أن رحيل يهود مصر عنها كانت حتمية، وان حتى محاولات بعضهم لو رغبوا فى العودة للاستقرار فى مصر مستحيلة ايضا، فما زال الوضع كما هو علية، المصريين مازالوا لا يفرقون بين اليهودية كديانة والصهيونية كاتجاة فكرى متطرف، ومازالت النظرة لليهودى تحمل العداء مهما كانت جنسيته، مخرج الفيلم قرر ان يفتح فى الكلام المسكوت عنه.. طارحا قضية يهود مصر من خلال شهادات عدد من الشخصيات المصرية التى عاصرت الأحداث او من تعمقت فيها دراسة وتحليلا، يتحدث دكتور محمد أبو الغار (طبيب وناشط سياسى ورئيس الحزب المصرى الديمقراطى الإجتماعى ولد عام 1940 مؤلف كتاب "يهود مصر من الازدهار للشتات)، ودكتور رفعت السعيد (سياسى مصرى ونائب برلمانى أسبق ورئيس حزب التجمع وواحد من ابرز وجوه التيار اليسارى فى مصر، ولد عام 1921)، أيضا تناول الفيلم شهادة الكاتب والمؤرخ الراحل أحمد حمروش (لواء سابق بالجيش المصرى، وسياسى مصرى وعضو بتنظيم الضباط الاحرار، صديق شخصى لهنرى كوريل، ولد عام 1921)، بالاضافة إلى باحث إجتماعى وتاريخى مستقل هو عصام فوزى، بالطبع إختيار أمير لهذه الاسماء فى محلة وقدموا بالفعل رؤية شبه كامله عن الوضع منذ بدايات القرن الماضى وحتى الستينات وما بعدها من سنوات، لكن اختياراته فى جانب اليهود المهجرين لم تكن متنوعة، فالجانب الأكبر كان من يهود منتمين للطبقة الوسطى هاجروا جميعا إلى فرنسا، بالطبع لم نعرف ماذا حدث لفقراء اليهود، وجاءت اشارات على لسان أبو الغار عن هجرة الطبقة الغنية من اليهود ونقل إستثمارتهم إلى الكثير من دول العالم لكن اسرائيل ليست من ضمنها، لم اشاهد رئيسة الطائفة اليهودية فى القاهرة كارمن واينشتاين فى الفيلم، وكذا الحال مع رئيس الطائفة بمدينة الأسكندرية، لم نسمع شهادات ليهود تواجدوا فى أى مكان آخر فى العالم سوى فى فرنسا، وهو ما يترك لدى المشاهد التساؤل عن وجهة نظر وحال اليهود الأخريين فى باقى بلدان العالم.كم ضخم من المعلومات المتنوعة سواء عن نمط الحياة فى مصر او الاسكندرية فى مطلع القرن الماضى، معلومات عن تطور العلاقة السياسية بين النظام فى مصر ويهودها، علاقة جماعة الاخوان المسلمين المباشرة بحرق وتخريب حارة اليهود بالقاهرة بالاضافة إلى حرق محلات كبار اغنياء اليهود فى مصر وقتها، وعن تسليم المناضل الشيوعى المصرى وأحد مؤسسى منظمة (حدتو) التى ضمت معظم تيارات اليسار فى مصر قبل ثورة 1952 وبعدها، لخطط هجوم القوات الفرنسية على مصر اثناء العدوان الثلاثى 1956 قبل الحرب عن طريق ثروت عكاشة أحد الضباط الاحرار ووزير الثقافة الأسبق، إلا أن المادة الفيلمية التاريخية لم تكن كافية للحد الذى تكررت معه عدد من المشاهد أكثر من مرة، المخرج اكتفى بلقطات حديثة تم تصويرها باستخدام كاميرا داخل سيارة، لتزين صوت من يروون شهاداتهم، هذا النقص كان من الممكن تعويضة بإعادة تمثيل لما حدث وقتها أو حتى التنويع فى اللقطات التى تصور الشوارع التى كان يسكن بها اليهود فليس من المنطقى، او اللجوء لاساليب مغايرة لعرض الفكرة داخل الفيلم بدلا من اعتماد الشكل التقليدى للفيلم الوثائقى دون اضافة اى جديد وهى تقريبا نفس المشكلة التى واجهت مخرج الفيلم الوثائقى "البحث عن رجل السكر" الذى يُعرض أيضا من خلال البانوراما وظهر بوضوح ان مخرجه عانى من وجود مواد فيلميه كافية للنصف الأول من فيلمه فلجأ إلى تصوير نفس الأماكن التى يتحدث عنها الرواه واستخدام خدع بصريه لتبدو المشاهد وكأنها تم تصويرها فى سبعينات القرن الماضى.النصف الأول من الفيلم اشار للعديد من الشخصيات التى اثرت المجتمع المصرى فى كل المجالات سواء فى الاقتصاد، او السينما، او الغناء، لكنة فى النهاية مر مرور الكرام واختزل الغناء فى عائلة زكى مراد "أبو المطربة ليلى مرادوالملحن منير مراد) واشارة سريعة للفنان داود حسنى، وكذا الحال مع السينما التى ذكر المخرج توجو مزراحى كمثال لها، متجاهلا اسهامات اليهود الكثيرة فى مختلف المجالات ليتحول الفيلم فجأة من التوثيق لحال اليهود فى مصر وازمتهم، إلى تاريخ اليهود فى الحركة الشيوعية المصرية، نصف الفيلم تقريبا يقع فى هذه المنطقة التى ابتعدت تماما عن البحث الذى يقدمه الفيلم، وكأنه لم يكن لأى من يهود مصر أى فضل عليها او اسهام مهم سوى ما قدمة اليهود المنتمين لتيار اليسار وقتها، لكن فى النهاية يحسب لأمير الجراءة فى فتح الملف ربما وهو يعلم انه مع انتشار الفيلم سيفتح على نفسة عاصفة من الانتقادات، كما أن تشعب القضية نفسها جعل من الصعب إحتوائها فى 90 دقيقة تقريبا هى مدة عرض الفيلم، ولا يمكن اغفال جهد تجميع كل هذه المعلومات التى يتعرف عليها الكثيرين من المصريين للمرة الاولى فى حياتهم من خلال الفيلم.