مع اقتراب موعد حفل توزيع جوائز الأوسكار، تجد الحديث لا ينقطع عن الأفلام المرشحة، وتتناثر التكهنات وتكثر الأراء حول أيً منها أحق بالفوز بأفضل ممثل، أو أفضل مخرج، أو فيلم.. كل هذا جميل حقًا، لكن هذا لن يكون موضوعنا اليوم.. سنحاول ألا نكون نمطيين، ولن نقترب من الجدال القديم المكرر الذي يدور في نفس التوقيت من كل عام.
ما رأيكم أن نتحدث عن شيء أكثر إفادة، شيء تقني تمامًا، لم يتحدث عنه الكثيرون من قبل.. ولا مانع من أن نربطه بحفل جوائز الأوسكار حتى نجاري الموضة، وحتى لا يتهمنا البعض أننا خارج الزمن.. سنطرح سؤالاً ونجيب عليه، وهو في الحقيقة سؤال مُلح أعتقد أنه أرق الكثيرون من المهتمين بما يدور في كواليس عالم المؤثرات البصرية والصوتية.. سؤال لم يجد له العديدون إجابة شافية، ولطلما كنت واحد منهم.
ترى ما هو الفرق اللعين بين مونتاج الصوت Sound Editing ومكساج الصوت Sound Mixing؟، ولماذا تمنح جائزة أوسكار منفصلة لكلٍ منهما؟
حسنًا.. عملية خلق الصوت في السينما مثلها مثل عملية طهو الطعام في البيت، لها شقين أساسيين.. الأول هو تحضير مكونات الوصفة أو العناصر المطلوبة للطهي، والثاني هو خلط تلك المكونات بمقادير محددة كي يكون للوصفة المذاق الحريف الذي نبغاه.
ومن هذا المنطلق يمكن تشبيه الشق الأول - وهو مونتاج الصوت Sound Editing هنا - بتحضير مكونات الوصفة... مونتير الصوت هو الشخص المسؤول عن خلق وتجميع كل الأصوات المطلوبة للفيلم.. مثلاً لو كان هناك مشهد يتضمن معارك سفن فضاء، مع العديد من الكائنات الفضائية وأشعة الليزر والانفجارات... هنا تكون مهمة مونتير الصوت هو تخليق الأزيز المميز لكل مركبة، خوار كل وحش، زقزقة كل روبوت، طقطقة الألات داخل المركبة.. ولو كان هناك انفجار على كوكب نيتروجيني مثلاً، يجب أن يكون له صوت مختلف عن انفجار يتم على كوكب مائي مجاور.
طبعًا كل تلك الأصوات غير موجودة في الطبيعة، ويبتكرها مهندس الصوت من الصفر.. إما عن طريق تخليقها إلكترونيًا، أو عن طريق مزج صوتين أو أكثر من الطبيعة لصنع صوت جديد (في فيلم الحديقة الجوراسية الذي فاز بجائزتي الأوسكار في مجال الصوت، كان زئير التيرانوصوروس ركس الأيقوني مزيجًا من نهيم فيل صغير، وزئير نمر، وخوار تمساح تم تعزيزهم إلكترونيًا).. بالطبع هناك مكتبات صوتية تحتوي على آلاف الأصوات المختلفة الجاهزة، لكن تلك لا تستخدم سوى في الأفلام ضعيفة الميزانية.. الأفلام الضخمة يخلق لها أصوات طازجة تمامًا.
إذًا فعملية خلق كل صوت على حده وجعله مميزًا سهل التعرف عليه، ممتع للأذن، هي المهمة الأساسية لمونتاج الصوت، ونهاية دوره أيضًا.
ما أن تنتهي مرحلة خلق الأصوات، يتم تسليمها لخبراء المرحلة التالية، مكساج الصوت Sound Mixing.. هنا تكون المهمة مختلفة قليلاً.. هذه المرة يجب أن توضع الأصوات بنسب دقيقة تنناسب مع ما يظهر على الشاشة من حركة.. أي المطلوب هو مزج الأصوات بالشكل الأمثل لخلق الإيهام المطلوب.. ويكون على من يقوم بالمكساج تحديد من سيكون صوته أعلى، وما الصوت المنخض؟. ولنعد لمثالنا الأول، فيلم يتضمن مشهد لمعارك سفن فضاء، يقود مجموعة من السفن بشر ويقود مجموعة آخرى كائنات فضائية، وتحدث العديد من الانفجارات.. الأشياء في مقدمة الكادر يجب أن يكون صوتها أعلى من تلك التي تكون في الخلفية.. أيضًا مهندس الصوت من الممكن أن يجعل المتفرج يركز على شئ معين حتى ولو كان بعيدًا في مشهد شديد الازدحام.. فعندما يطلق البطل أشعة الليزر القاتلة من مركبته نحو مركبة الكائن الفضائي لتنفجر ويموت، من الممكن أن يتم التركيز على صرخة احتضار الكائن الفضائي أكثر من الإنفجار ومن أزيز شعاع الليزر وطنين المركبة، وهو بهذه الصلاحية يستطيع أن يخلق لحظة شجن أو انتصار أو ألم، أو أي شيء يريده المخرج.. بالإضافة إلى هذا، مكساج الصوت هو المسؤول عن دمج الموسيقى التصويرية مع شريط الصوت، بنسب علو وانخفاض مختلفة قد تنجح فيلم أو تسقطه تمامًا.
عادةً في السينما العربية من يقوم بمونتاج الصوت هو من يقوم بمكساجه، نظرًا لقلة المجهود المطلوب بالنسبة لمهندسي الصوت في الأفلام العربية التي لا تخرج عن الإطار التقليدي، لكن بالنسبة للسينما العالمية غالبًا لا يكون مونتير الصوت هو نفس الشخص الذي سيقوم بمكساجه.
بالنسبة للعامة لن يستطيعوا التفريق بين جودة مونتاج الصوت وجودة مكساج الصوت وأيهما أفضل.. لكن الأذن الخبيرة والمتمرسة من الممكن أن تلتقط هذا بسهولة.. لذا نرى - ويتعجب البعض لهذا - أن هناك أفلام تأخذ جائزة أفضل مكساج صوت، بينما تذهب جائزة مونتاج الصوت إلى فيلم آخر، هذا وارد جدًا وإن لم يكن شائعًا.
أما عن الأفلام المرشحة لشقي جائزة اﻷوسكار في فئة الصوت لهذا العام فهي كالتالي:
مونتاج الصوت: Argo ،Django Unchained ، Life of Pi ، Skyfall ، Zero Dark Thirty
مكساج الصوت: Argo ، Les Miserables ، Life of Pi ، Lincoln ، Skyfall
كما نلاحظ فإن معظم الأعمال أخذت ترشيحًا في الشقين، لكن هذا لم يمنع أيضًا وجود أفلام ترشحت لواحدة ولم تترشح للآخرى، مما يعطي دليلاً دامغًا أن العمليتان مختلفتان حقًا.
معلومة أخيرة.. جائزة مونتاج الصوت تحديدًا هي ما نطلق عليه في مصر مجازًا لقب "أفضل مؤثرات سمعية"، وهذا خطأ شائع، لأن هذا المصطلح الآخير من المفروض أن يشمل الشقين معًا.