Oblivion : سوف نحمي معابد الآلهة من النسيان

  • مقال
  • 05:38 مساءً - 11 ابريل 2013
  • 3 صور



صورة 1 / 3:
سوف نحمي معابد الآلهة من سطوة التنّين
صورة 2 / 3:
ما لم أستطع فهمه هو استمرار قبول مورجان فريمان لأدوار تفتقر إلى التميّز لن تضيف شيئًا إلى رصيده التمثيلي.
صورة 3 / 3:
هناك فكرة الآلة التي خرجت عن سيطرة الإنسان وتسلطت عليه، وهي الفكرة التي عرضها ستانلي كوبريك للمرة الأولى في تحفته أوديسا فضائيّة

نسيان ( Oblivion) هذا هو الفيلم الثاني للمخرج الأمريكي جوزيف كونيسكي بعد فيلمه الأول Tron:Legacy ولقد بات واضحًا أن هناك جيلاً من شباب السينما الأمريكي غير قانع بالوعود اليوتوبيّة والدولة التي تعرف كلَّ شيء وتحفظ مصلحة القطيع الذي يعيش على أرضها، وغير قانع بالأعداء الوهميين التي تصنعهم من أجل بقائها.لقد بات واضحًا أن هناك جيلاً يتحدّث -ولو نظريًا- عن الثورة.

يبدأ الفيلم برجل وامرأة (جاك وفيكتوريا) يعيشان على الأرض بعد أن تم تدميرها عقب الحرب التي دارت مع الفضائيين .. ربحت الأرض الحرب لكن الخراب حلّ فيها، وتم نقل البشر إلى أحد أقمار زحل حيث يعيشون في هدوء، وينتظر جاك وفيكتور أن يمضي آخر أسبوعين في مهمتهم على الأرض في صيانة بعض المركبات الفضائية قبل أن يتم نقلهم إلى ذلك القمر حيث أحلام الحياة الجميلة. هناك نظام صارم للغاية يعيشان فيه، وقد تمّ محو ذاكرتهم لحماية المهمة من بقايا الفضائيين في الأرض. فيكتوريا مستوعَبة تمامًا في النظام الصلب الذي يدير الأمور، لكن جاك مصاب بحنين إلى ذكريات لا وجود لها في عقله، حنين إلى الأرض التي يشعر أنها بيته رغم كل شيء. تظهر ومضات خاطفه لأماكن لا يعرفها من ماضيه الذي تمّ محوه، ووجه امرأة لا يتذكرها. حنين إلى تفاصيل حياة الإنسان في هذه الأرض وحنين إلى الألوان.. يمارس ذلك الحنين في بيت صنعه بعيدًا عن بيته مع فيكتوريا حيث بحيرة جميلة واسطوانات جمعها من الخرائب الباقية في الأرض والكتب التي وجدها وكرة سلّة.. جنته التي صنعها بعيدًا عن النظام الذي يدير الأرض، وبعيدًا عن جنتهم التي يعدون بها من ينفذ مهامهم.
يرعى نبتة صغيرة يقدمها هديّة إلى امرأته التي تلقيها من نافذة بيتهم العالى لأن ذلك يخالف النظام.. نحن أمام آدم وحواء، لكن الغواية أصابت الرجل هذه المرة.

في أحد الأيام يتم التقاط إشارة أطلقها بقايا الفضائيين في الأرض إلى أحد المركبات الفضائية القديمة، ويصل جاك إلى مكان هبوط هذه المركبة ليجد هناك خمسة حافظات بداخلها بشر ناجين لا يعلم عنهم شيء.. تصل مركبات النظام إلى المكان وتبدأ في تدمير الحافظات.. ليجد جاك في أحداهم جسد الفتاة التي تزوره في أحلامه، ويحاول إنقاذها وأخذها إلى منزله مع فيكتوريا التي تعلن عن عدم ارتياحها لمخالفة النظام.

(جوليا) الفتاة التي تم إنقاذها من حطام المركبة.. يظهر أنها كانت في مهمة استكشافية تمت قبل الحرب، وأنها عالقة نائمة في مدار الأرض منذ ستين عامًا تمامًا، وأنها تحمل ذكريات ما قبل محو الذاكرة الإجباري.

تدور الأحداث ويسقط جاك وجوليا في يد الفضائيين وهناك تبدأ الحقائق في الظهور.. هؤلاء الفضائيين الباقين في الأرض ليسوا إلا جماعة من البشر قرروا أن يعيشوا خارج إطار السلطة التي تحكم، لأنهم عرفوا ببساطة أنّه لا وجود لهذا القمر في زحل الذي وعدوا به بقايا سكان الأرض، وأنه لا وجود لهذه الحرب الوهميّة التي تم زرعها في ذاكرة جاك وفيكتوريا ..هناك قوة تدير الأرض من خارجها وتستخدم السكان الواقعين تحت سيطرتها في تنفيذ مصالحها. نكتشف أن جاك وفيكتوريا هما شخصان من آلاف النسخ التي تم استنساخها لإتمام مصلحة هذه القوة.. نكتشف أن البشر الحقيقيون هم من يعتبرون البقايا التي يجب مطاردتها والتخلص منها لأنها تطمح في الثورة على هذا النظام وتدميره.

الحكاية ليست حكاية نهاية التاريخ وفناء الأرض، ولكنها حكاية الدولة التنين التي وضعت نفسها في موضع الرب.. خلقت نسخًا مُكرَرة من الناس بلا ذكريات تصنع خصوصيتهم وذاتيتهم، لكنهم آلات تخدم الخطة الأكبر التي تم وضعها. التنين الذي خلق ثوابت لها قدسيتها التي لا يمكن تجاوزها في عقول رعاياها، حول الحقيقة والتصور الوحيد لإدارة الحياة في هذه الدنيا. وللحفاظ على بقائها خلقت أعداء وهميين وخلقت صراعًا غير موجود للحفاظ على خضوع عبيدها.

لقد وضعت الدولة نفسها في مكانة الراعي الذي يعرف الحقيقة الوحيدة -وإن كانت وهمًا كاملاً- وجعلت النظام دينًا لا يمكن الخروج عنه. وفي مقابل ذلك جعلت الثمن الذي تلقيه لقطيعها هو بعض تفاصيل الحياة السهلة، والوعد بيوتوبيا وهميَة لا وجود لها على الأرض. وكل من أدرك هذه الحقيقة يضع نفسه في مكان الكافر الذي تجب ملاحقته والتخلص منه لأنه يضر بالنظام.
هذه هي الثورة التي سوف يشهدها هذا العصر.. ثورة ضد السلطة والوهم، ثورة لكل ما يضر بفردية الإنسان وخصوصيته، ضد كل قوة تستعمل البشر كأشياء لا كأرواح. علاقات الحب لم يعد لها وجود، هي فقط تعاقدات بين الأشخاص لتحقيق هدف أكبر لا نعرف عنه إلا ما تخبرنا به القوة التي تديرنا.
لقد بات واضحًا أن ثورات هذا العصر ليست حركات احتجاج من أجل المزيد من الخبز، وتوزيع عادل للثروة والرفاهية، لكنها ثورات ضد كل تنّين يحاول أن ينصّب نفسه حكمًا علينا، يحدد لنا نظامًا للحياة، ويفرض تصوراته الصلبة عن الصواب والخطأ.. إنهافي الأصل ثورة ضد السلطة التي إمَّا أن نسترد منها الحق في رسم قصتنا الشخصية بدون هيمنة أو ندخل معها في مواجهة مفتوحة إلى أن نكسرها أو نموت.. إنها ثورة ضد آلهة الأرض بالأساس.

الثورة هي الحل الذي يطرحه الفيلم، الموت في سبيل تدمير الوهم واستعادة الإنسان لإرادته في إدارة وجوده وإن كان الموت هو الثمن.. فأيّ شيء أعظم من أن يموت الإنسان وهو يواجه مخاوفه وهو ينقذ تراب الأجداد ومعابد الآلهة التي ارتضاها لنفسه.. آلهة أخرى غير آلهة الأرض.

الفيلم يحتل مكانًا جيدًا بين هذه النوعيّة من أفلام الخيال العلمي هذه الأيام، وتحمل أحداثه الكثير من التسلية والإبهار بخاصة مع طريقة العرض IMAX.. وإن كانت تغيب المنطقيّة عن بعض تفاصيله، وكما يقول أحد النقاد في مراجعته عن الفيلم في مقاله في صحيفة الجارديان الإنجليزيّة أن هناك الكثير من التفاصيل المكررة من أفلام سابقة، وتيمات تم استخدامها كثيرًا. هناك فكرة الآلة التي خرجت عن سيطرة الإنسان وتسلطت عليه، وهي الفكرة التي عرضها ستانلي كوبريك للمرة الأولى في تحفته أوديسا فضائيّة.. وهناك كذلك تيمة المخلّص.
أداء ممثلي الفيلم لا بأس به أبدًا وبخاصة الممثلة الإنجليزية أندريا رايزبوروج.. ما لم أستطع فهمه هو استمرار قبول مورجان فريمان لأدوار تفتقر إلى التميّز لن تضيف شيئًا إلى رصيده التمثيلي.
هذه هي التجربة الثانية للمخرج الشاب.. الذي أجاد استخدام تقنيات التكنولوجيا في خلق حالة إبهار بصري، وإن كان ينقصه الكثير من الجودة الفنيّة، والمساحات التي كانت يمكنها أن ترتقي بمستوى العمل، فهو مثلاً أهدر التعبير عن حال البشر الذين يعيشون تحت الأرض، والمقارنة بينهم وبين عائلة جاك وفيكتوريا، والكثير من المشاهد التي كان يمكنه أن يصيغها في اكتشاف البطل لحقيقة الواقع الذي يحياه، وكذلك ما كان يمكنه أن يهتم به في تفاصيل العلاقة بين الشخصيات.

الفيلم بالفعل يحمل الكثير من التسلية والإبهار لمحبي هذه النوعيّة من الأفلام، وشاشةالـ IMAX المُبهرة.. وننتظرأن يتلافى جوزيف كونيسكي أخطاءه في أفلامه القادمة.



تعليقات