شعر الخيول الأصيلة الداكن المنسدل.. العيون العربية الواثقة المكحّلة بعناية.. أنوثة بهلوانية غير مسبوقة التصنيف.... ملابس الفوازير!!!
هكذا رأيتها أنا ورأتها صديقات طفولتي وصباي... هكذا كانت انطباعات شباب جيلى عنها.. فراشة متحررة من كل قيد ، بينها و بين الجاذبيبة لغة تفاهم .. ينطلق جسدها خلف كل نغمة بلا وعى. تــُجرى القلوب معها على درجات سلم الموسيقى وتطير مع أغنياتها البسيطة واستعراضاتها المبهرة .. منحتنا بهجة دقائق.. سكنت أفئدتنا وأرواحنا من العام للعام...
إنها.... شيريهان البهجة
حينما بدأت شابة يافعة في " سك على بناتك" و" العذراء والشعر الأبيض" توقع الجميع لتلك الشابة خفيفة الظل منطلقة الروح أن تصبح "فيديت" السينما القادمة وفتاتها المدللة لما تمتعت به من قبول واسع واستحسان من فئات عدة فى تلك الفترة التى تربعت فيها على عرش البطولات النسائية نجمات مخضرمات لا يشق لهن غبار كـ نبيلة عبيد و نادية الجندي ولاحقاً كانت ليلى علوي. غير أن شيريهان قد تسللت إلى الجمهور في أدوار مميزة قوية التأثير قدمتها للجمهور ببساطة ووضوح أهلاها ليقدمها المخرج فهمي عبدالحميد بعد ذلك في الفوازير الرمضانية، والتي سجلت من خلالها شيريهان بصمة لم يمحها أو يطمسها من جاءوا بعدها، ولم يقترب منها أياً ممن حاولوا تقليدها. وبالنظر إلى أن "فوازير رمضان" كانت سمة من سمات الشهر الفضيل، حيث كان ينتظرها الجمهور من العام إلى الأخر إلا أنه مُنذ قامت شيريهان ببطولتها، وقد ارتبط الاسمين معاً، فلا تكاد تذكر الفوازير حتى تأتي شريهان على البال، أو تذكر شيريهان حتى تكون الجملة التالية "فوازير رمضان"، فقد استطاعت شيريهان أن تحول الفوازير الرمضانية إلى هوية فنية تُعرف بها، ومثلت الفوازير لشريهان المنفذ الذي عرضت من خلاله مواهبها المُختلفة من رقص وتمثيل وغناء، وربما كانت أبرز هذه الفوازير، فوازير " ألف ليلة وليلة" التي قدمتها عام 1985.
لم تصبح شيريهان عبر سنوات تألقها وبعدها رمز البهجة فقط لأنها الضاحكة ذات "التون" الطفولي والقوام اليافع.. الخفيفة المتحركة كالنسيم.. الباحثة عن الضوء.. المتتبعة له كالفراشات. التى استطاعت فى حكايات " الف ليلة وليلة " أن تكون "كريمة" الشقراء العصبية و"فاطيما" السمراء العاقلة و"حليمة" الهادئة الدلوعة، فى أن واحد بل فى مشهد واحد دون تداخل أو ملل. بل؛ نجحت شيريهان أيضاً حينما لم يرتبط بها المعجبين الذكور فقط كونها أنثى جميلة لهامذاق مختلف عن الأخريات وإنما لأن شيريهان كانت ظاهرة غزت احساس جيل أو جيلين متعاقبين واستأثرت بمكانة خاصة لها طعم وشكل مختلف ولون "شيريهاني" بحت.
ولمن عاشوا ثمانينات القرن الماضي سواء أكان متابعاً متقصياً للحركة الفنية وأخبار الفنانين أم لا، فأنه حتماً كان قد اعتاد قراءة الخبر الذى ارتبط بشيريهان وانفردت به عبر سنين عملها وطوال مسيرتها: "شيريهان تسافر فى جولة حول أوروبا لشراء ملابس واكسسوارات الفوازير". من منا لا يذكر ملابس الفوازير؟ المبهجة الملونة الصاخبة التى استقر يقين داخلنا أنها ملابس "لا يرتديها إلا شريهان".
هى الدامعة التى أسعدت الجميع.. التى أرست قواعد الموضة لفتيات الثمانينات والتسعينات عاماً بعد عام.. فرغم تمسكها بطول شعرها الذى لم تتخل عنه حتى الآن.. إلا إنها كانت قادرة على أن تؤثر فى اتجاهات المكياج والملابس والألوان للمعجبات بها خلال مسيرتها. فمظهر " كريستال" الاستعراضي لا يشبه مظهر " ميت فل" وليس كمظهر " كش ملك " الجاد الملتزم.
أمتعت شيريهان حواس المصريين والعرب لما يقرب من العشر أعوام المتصلة عبر الفوازير وألف ليلة وليلة والقليل من الظهورات السينمائية باقية الأثر حتى أصبح اسمها معادلاً موضوعياً للسعادة التى منحتنا إياها وارتباطها بصبا وطفولة ذلك الجيل الذى نشأ مستمتعاً بأعمالها رغم بساطة الإمكانيات المتاحة وقتها.
ولا تحتاج شيريهان بالطبع لمن يؤرخ لأعمالها المسرحية الاستعراضية ذات الصبغة المميزة.. فمن غيرها من نجمات جيلها والأجيال التى تلتها استطاع أن "يرقص" فى استعراضات بديعة محفورة فى وجدان الجميع لمدة ثلاث ساعات يتخللها القليل من الحوار والكثير من الابتسامات لمدة سنوات متصلة على خشبة المسرح.. من ينسى شارع محمد علي و علشان خاطر عيونك.
حاكتها الكثيرات وغارت منها الكثيرات وتوارد على أعيننا عبر السنين نسخاً بألوان وأشكال وطعوم عدة.. إلا أنهم كانوا إجمالاً زجاج ووحدها رزّة.. كانت "كريستال".
شيريهان المبهجة.. قليل من الكلام.. وكثير من المشاعر.. والأكثر والأكثر من الامتنان... علشان... خاطر عيونك!