Jurassic Park... عندما كانت الدينوصورات تحكم دور العرض!

  • مقال
  • 10:20 صباحًا - 9 يونيو 2013
  • 7 صور



صورة 1 / 7:
لقطة من فيلم Jurassic Park
صورة 2 / 7:
صورة 3 / 7:
لقطة من فيلم Jurassic Park
صورة 4 / 7:
لقطة من فيلم Jurassic Park
صورة 5 / 7:
لقطة من فيلم Jurassic Park
صورة 6 / 7:
لقطة من فيلم Jurassic Park
صورة 7 / 7:
لقطة من فيلم Jurassic Park

كم هو دفين وغامض سر شغف الناس الكبير وهوسهم العميق بالدينوصورات؟ كثيرون يتعجَّبون من هذا الشغف، ولا يجدون له تفسيرًا واضحًا... لكني أعتقد أن الأمر في جوهره بسيطًا للغاية. الدينوصورات هي أقرب مخلوقات حقيقيَّة إلى الوحوش التي نراها في الأفلام ونسمع عنها في الحكايات الخرافيَّة وتخلب ألبابنا. التنين مثلًا كائن مُثير للغاية لكنه ليس حقيقيًّا، وكذلك الرُخ، والهيدرا أيضًا. أما الدينوصورات فهي حيوانات حقيقيَّة تمامًا، فقط هي لا تعيش بيننا، ولم نعرفها إلا من خلال عظامها، وهذا ما يجعلها مثيرة للغاية، خصوصًا مع أحجامها الهائلة وهيئتها المخيفة. ضف على هذا أيضًا أن بشكلٍ ما - في عقلنا اللاواعي - تُذكِّرنا الدينوصورات بحقيقة وحتميّة الانقراض. إنها عروس البحر الفاتنة: نصفها واقع، ونصفها خيال، وهي في هذا كفنّ السينما ذاته، مزيج خلاب استطاع أن يأسر مخيلة الكوكب بأكمله.

بالتأكيد الجميع شاهد الفيلم الفائق الذي ظهر عام 1993 بتوقيع ستيفن سبيلبرج، والذي استطاع وقتها أن يقفز ليكون أنجح فيلم بالأرقام المطلقة، بعد تحقيقة إيرادات بلغت 914 مليون دولار، متفوقًا بذلك على إي تي لنفس المخرج الذي ظل يحمل الرقم القياسي لأكثر من إحدى عشر عامًا.

الفيلم مأخوذ عن رواية مايكل كرايتون الشهيرة بذات الاسم، وهي ليست أشهر روايات كرايتون فحسب، بل أكثرها تعقيدًا أيضًا. وهي الرواية التي استنزفت عقله وأنهكته للغاية حيث استغرق ثمان سنوات كاملة للإنتهاء منها! خلال هذه السنوات الطويلة، كُتبت الرواية ومُزقت أكثر من مرة، إلى أن وصلت لشكلها النهائي. مخطوطة مُقبِضة شديدة اللهجة عن خطورة العلم الغير مُقنَّن وعبث الإنسان مع الطبيعة، ثم انقلاب الطبيعة عليه. استطاع كرايتون أن يصوغ عمل أدبيّ علميّ عميق المغزى فائق الإمتاع ويدقّ جرس إنذار مُدوّي، وهو في هذا يحمل نفس روح رواية ماري شيلي الشهيرة جدًّا فرانكنشتاين، إحدى أوائل روايات الرعب والخيال العلميّ المناهضة للعلم، والتي ظهرت كنقد صارخ للثورة الصناعيَّة التي شملت أوروبا في القرن الثامن عشر.

المُعالجة الفيلميَّة للرواية جاءت مختلفة إلى حدٍ ما. صنع سبيلبرج نسخة جماهيريَّة خفيفة المحتوى من حكاية كرايتون العلميَّة الرصينة، وقدَّمها للجمهور بمؤثرات بصريَّة ثوريَّة لم يظهر مثلها على الشاشة قط. لكنه في المقابل نحّى الكثير من العلم جانبًا، والكثير من النقاش الفلسفيّ، والكثير من العنف أيضًا. ففي النهاية لم يتحمل سبيلبرج فكرة أن يسلب الأطفال حقِّهم في الاستمتاع بدينوصوراتهم الحبيبة، وهو ما كان سيحدث بالتأكيد إذا قُدِّمت الرواية في السينما بعُنفها الكامل كما كتبها كرايتون، لذا كان لابد من ترويض النصّ بعض الشيء، حتى لا يأخذ الفيلم تصنيفًا رقابيًّا مرتفعًا.

لكن جاء هذا على حساب الجدية والصبغة العلمية الرصينة للنص الأدبي. لقد صاغ كرايتون قصة علمية عميقة المغزى فائقة الإمتاع. وككل رواياته السابقة والتي تلتها، تعد الحديقة الجوراسية محاضرة من الطراز الثقيل أكثر من كونها رواية أدبية. خاصةً مع أسلوبه العتيد الذي يمتاز دومًا بالإفراط في توثيق الاستطرادات العلمية، بحيث يجعل من الرواية مزيجًا من الأدب والدراسة الأكاديمية.

هذا لا يعني بالطبع أن الفيلم دون المستوى أو أي شيء من هذا القبيل... بل على العكس تمامًا، لقد صنع الفيلم أسطورته الخاصة وأصبح له ملايين العشاق في كل ركن بالعالم. وكان فاتحة حقيقية لظاهرة أفلام الصيف Summer Event movie كاسحة النجاح.

لنقل إذًا أن هناك حديقتان جوراسيَّتان. حديقة مايكل كرايتون الرصينة، وحديقة سبيلبرج الأخف وطأة والأكثر إبهارًا. هكذا لن نظلم أيًّا من الفيلم أو الكتاب. ففي النهاية، لولا نجاح الفيلم الساحق لما كانت الرواية ستنال كل هذه الشهرة عالميًّا، ولولا اقتدار الرواية لما كان سبيلبرج فكَّر في تحويلها إلى فيلم من الأساس.

بدأ سبيلبرج الفيلم بأسلوبه العتيد في الشحن البطيء جدًا، تمهيد طويل خلال الساعة الأولى من الفيلم جعل المشاهدون يقضمون أظافرهم من الإثارة (استراتيجية سبيلبرج الكبرى وبصمته الدائمة التي لم تُخيِّب منذ Jaws)، تمعّن الرجل في تحفيز شعور الخطر المتنامي والكارثة وشيكة الحدوث، ودعم هذا ببعض النقاشات الفلسفية حول خطورة ممارسة الإنسان لدور الرب، وتدخله السافر في عمل الطبيعة، والتأكيد على أن بناء حديقة للديناصورات هي أسوء فكرة في التاريخ الطويل للأفكار السيئة. هذا بالطبع، مع إعطاء المُشاهد لمحات سريعة غير مشبعة للديناصورات، للحفاظ على انتباهه حتى بداية النصف الثاني من الفيلم.

وهنا يبدأ مهرجان الرعب الحقيقي!

مشهد هجوم الـ تي ركس الرئيسي على السيارات هو واحد من أقوى التتابعات في تاريخ السينما على الإطلاق، وهو التتابع الذي سيطارد كوابيسك ما حييت. تم تصوير المشهد بالمناسبة في ستديوهات يونيفرسال وليس في جزيرة كاواي التي صور أغلب الفيلم بها، هذا لكونه معقد للغاية من ناحية التنفيذ - سنخوض في هذا لاحقًا - لذا فضل سبيلبرج تصويره في بيئة لديه تحكم كامل بها. ومن أجل تنفيذ رغبته تلك، تم بناء أكبر بلاتو في التاريخ حتى وقت ظهور الفيلم. والنتيجة كانت: رعب خالص!

ثم يتوالى الرعب بعد ذلك دون توقف!

مشهد تعقب الطيور الجارحة للطفلين داخل المطبخ قرب نهاية الأحداث، أحد أكثر المشاهد إرعابًا من بين كل مشاهد الوحوش التي ظهرت على شاشة السينما، مطاردة الـ تي ركس للسيارة، الديلوفوسوروس باصق السم، الاختتامية الهائلة، إلخ... هذا ناهيك بالطبع عن المشاهد الأخرى التي ظهرت في النصف الأول من الأحداث. مشهد الوصول إلى الجزيرة وصدمة ظهور أول ديناصور طويل العنق (العديدون فغروا أفواههم على اتساعها في دور العرض) خروج الطير الجارح من البيضة، الترايسيراتوبس المريض، وغيرها. الفيلم في الحقيقة مُتخم بالمشاهد الأيقونية التي ألهبت حماس الملايين ولازالت تفعل بنجاح منقطع النظي

بالتأكيد السيناريو والتمثيل في الفيلم ليس من النوع الذي يرشح للأوسكار، لكن من يهتم، النجوم الحقيقيون هنا هم الديناصورات، المُشاهد دفع ثمن التذكرة ليرى كيف سيتمكنوا من تقديم الديناصورات، وهو ما نجح فيه سبيلبرج بامتياز، وكان وراء هذا اثنان من أهم فرق المؤثرات البصرية في هوليوود. فريق ILM الذي تولى مهمة الخدع الكمبيوترية، وفريق ستان وينستون المُعجز الذي صنع نماذج الأنيماترونيكس للديناصورات بالحجم الطبيعي. وكان نتاج هذا التزاوج بين العلم والفن والتقنية الحديثة، أحد أفضل إنجازات فن السينما على المستوى البصري.

لذا كان من المتوقع جدًا - من يونيفرسال ومن سبيلبرج - إعادة عرض الفيلم بتقنية الـ 3D. وبالتأكيد لم يكن هناك أفضل من ذكرى مرور عشرون عامًا على إنتاج الفيلم، ليعاد تقديمه إلى الجمهور بالتقنية ثلاثية الأبعاد.

لقد كان التحويل إلى نسخة ثلاثية الأبعاد خبطة موفقة للغاية. السبب الرئيسي في هذا أن كادرات الفيلم التقطت بمنظور مناسب جدًا للعرض ثلاثي الأبعاد. وقد صرح سبيلبرج نفسه مؤخرًا أنه حين كان يصنع الفيلم، لم يكن يتصور أبدًا أن يأتي اليوم الذي سيعرض فيه مجسمًا، لكن بشكلٍ ما كان لديه "المنظور ثلاثي الأبعاد" في عقله أثناء توجيهه للفيلم واختياره لزوايا الكاميرا، حيث الأشياء تتقدم سريعًا من مؤخرة الكادر إلى مقدمته، ديناصورات تفتح أفواهها في وجه المشاهدين، مواقع تصوير عميقة الطول كمشهد المطبخ الشهير، والتي تسمح بوجود خلفية بعيد، وأرض متوسطة ومقدمة كادر شبه منفصلين عن بعض، وهو ما يناسب للغاية العرض بتقنية الـ3D.

باختصار، أحد أفضل أفلام 2013، يأتي من العام 1993! لقد تخطى حديقة الديناصورات مرحلة كونه فيلمًا عاديًا، بل تخطى حتى مرحلة الظاهرة. وبعد مرور عشرون عامًا على إنتاجه، لازال الفيلم يشكل علامة فارقة في تاريخ صناعة الأفلام، واستطاع اجتياز اختبار الزمن بنجاح ساحق.

أمور تقنية: للمهتمين فقط:

من اللحظة الأولى كان سبيلبرج راغبًا في تقديم شيء مختلف في الحديقة الجوراسية. وكانت المشكلة هنا هي خلق ديناصورات تبدو حقيقية تمامًا في حركتها ومظهرها وصوتها. البديل السهل المتاح كان استخدام أسلوب "التحريك بإيقاف الكادر"، الذي برع فيه راي هاري هاوزن ساحر المؤثرات البصرية، لكن المشاهد اعتاد على رؤية وحوش هاوزن بمشيتها المتصلبة الميكانيكية بعض الشيء، وهو الأمر الذي لم يكن سيرضى به في فيلم مثل هذا.

من هنا جاء التعاون الأول بين ستان وينستون وسبيلبرج، حيث قدم الاثنان صدمه حقيقية للعالم رجوعًا إلى العام 1993. ستان وينستون متخصص في صنع مخلوقات ميكانيكية بالحجم الطبيعي تعرف بالـ أنيماترونيكس Animatronics. ولقد قدم الرجل في الحديقة الجوراسية أشهر وأكثر نماذج الأنيماترونيكس دقة وروعة فى التنفيذ، كائنات لم تظهر بمثل هذه الطبيعية على الشاشة من قبل وأذهلت صانعيها أنفسهم. استطاع ستان وينستون جعل الديناصورات تجوب الأرض مجددًا كما لم يراها أحد من قبل، وصنعت جميعها بالحجم الطبيعى. هذا بالإضافة إلى الكمبيوتر جرافيك بالطبع.

طوال مدة عرض الفيلم التي تتخطى الساعتين، ظهرت الديناصورات لمدة 15 دقيقة على الشاشة، لكن تم توزيع هذه الدقائق بعناية حتى تعطيك إيحاءً بأنها ضعف هذ الرقم.. 9 دقائق منها كانت لنماذج ستان وينستون الميكانيكية، و6 دقائق للصور المخلقة حاسوبيًا التي نفذها الرواد في شركة ILM.

صنع ستان وينستون بطل الفيلم الرئيسي، الـ "تي ركس" الهائل، بطول 12 متر وارتفاع 6 أمتار ووزن يبلغ 7 أطنان، وتكلفة تصل إلى 90000 دولار. وكان يقوم بتشغيله فريق مكون من 12 مشغلاً. هيكل هذا الأنيماترونيكس كان من الزجاج الليفى، مكسوًا بطبقة تعادل 1360 كيلو من الصلصال. وتمت تغطيته بجلد مرن قوى التحمل من الـ "لاتكس"، وقام فريق الفنانين بدهانه بخليط مبتكر من الألوان. بعد ذلك تم تثبيت هذا الوحش الميكانيكي على مُحاكى حركه، وهو محرك هيدروليكى ضخم، ليصير التحكم فيه ممكنًا عن طريق مفاتيح الكمبيوتر، وهذا كله يتم عبر نموذج مصغر يسمى "والدو" يتحكم فيه عدد من محركى الدمى، يحركون الرأس والذيل والذراعين.. إلخ، ويقوم الكمبيوتر بتسجيل هذه الحركات، ثم يبرمج النموذج الكبير كى يعيد أدائها كما نفذت بالضبط.

أعقد مشاهد الفيلم كما ذكرنا كان هجوم هذا الوحش العملاق على السيارة فى الطريق الرئيسى، اعتمد المشهد بالكامل على نموذج ستان الميكانيكى، مع القليل جدًا من اللقطات الرقمية. حتى أن ستان نفسه أصابه الذهول من براعة الديناصور فى التمثيل.. هذه البراعة أقنعت سبيلبرج بإضافة معركة ختاميه لم تكن فى السيناريو الأصلى بين هذا الممثل القدير واثنان من الطيور الجارحة.

من ابداعات ستان أيضًا فى الحديقة الجوراسية فيلوسيرابتور بطول 6 أقدام، وعنق البراكيوسورس الطويل، وتريسراتوبس مريض، وديلوفوسورس باصق للسم، وفيلوسيرابتور وليد. كلهم صنعوا بالأحجام الطبيعية، واستطاع وينستون بهم أن يقتنص الأوسكار الرابعة والأخيرة فى حياته المهنية.

بعد ذلك جاء دور دينيس مورين من شركة ILM، الذي حقق من قبل نتائج مذهلة مع جيمس كاميرون في Terminator 2. إن تجارب الكمبيوتر جرافيك في الفيلم هي نتاج خبرة 14 عامًا منذ أن أنشأ جورج لوكاس قسمًا للكمبيوتر جرافيك في شركته. نلاحظ هنا أن دور ILM جاء بعد التصوير، وكانت ذروة إبداعهم في المشهد الذي يقف فيه عالم الحفريات آلان جرانت وزميلته إيلي ساتلر مذهولين يرمقان براكيوسوروس عملاق يشب ليلتهم أوراق الشجر، هذا مشهد لم يوجد إلا على شاشة الكمبيوتر فقط.

وخلال 18 شهر من العمل الشاق والمرهق، أنجز فنانو الشركة 6 دقائق كاملة من المؤثرات الكمبيوترية تضم 50 تتابعًا. وكان عملهم يتضمن إضافة رتوش بسيطة لبعض المشاهد، كإضافة طرطشة الماء حول قدمي الـ "تي ركس" مثلاً.

تقاسم فريق ILM مع ستان وينستون وفريقه أوسكار أفضل مؤثرات بصرية، كما حاز الفيلم على جائزتين آخرتين هما: أوسكار أفضل مونتاج صوت، وأفضل مكساج صوت، هاتان الأخيرتان عن العمل المذهل الذي قام به مهندس الصوت جاري رايدستورم لتخليقه أصوات طازجة ومرعبة للغاية لديناصورات الفيلم، صنعها عن طريق مزج أصوات حيوانات عديدة كالقرود والصقور والنمور. مثلاً نعيق الديلوفوسوروس باص السم كان نتيجة مزج رقمي بين صيحة صقر، وهسيس أفعى الجرس، ونداء تزاوج لبجعة!

الحديقة الجوراسية هو كل ما كانت هوليوود تحلم به في أوائل التسعينيات. فهو عمل ثوري و"كلاسي" في ذات الوقت، وجاء ليحتل مكانًا مميزًا بجوار أفلام مثل جودزيلا و كينج كونج، هذا إن لم يكن قد تفوق عليهما.



تعليقات