مشهد (1)| ليل داخلي| منزل يبدو لعائلة متوسطة تشاهد فيلم ( أحلام هند وكاميليا)
"أنا بحب الفيلم ده يا بابا متغيرهوش" أقول الجملة بلهجة توشك على البكاء.
"إيه اللي عاجبك فيه" يقول أبي، فأرد بمنتهى الحسم: "أصله بيتكلم عن المهمشين".
يضحك أبي ويقول "بذمتك إنتِ فاهمة يعني إيه مهمشين".
كنت لا أزال في السابعة وأحب فيلم (أحلام هند وكاميليا) لإني قرأت في أحد الجرائد أنه يدور حول حول عالم المهمشين، فأعجبتني الكلمة –بدأت قراءة الجرائد وأنا في عمر الخامسة- أحببت الفيلم دون أن أفهمه، كما أحببت عالم المهمشين دون أن أدرك معنى الكلمة.. أحببت غنوة "يا صغيرة يا إنتِ يا قطرة ندى" دون أن أدرك أن عمار الشريعي –رحمه الله- يغنيها لمصر.
مشهد (2)| ليل داخلي| قاعة سينما جالاكسي حفلة 6 فيلم ( فتاة المصنع)
يبدأ الفيلم الذي انتظرت عرضه قرابة الثلاث سنوات، من الوهلة الأولى أدرك مدى الشبه الذي يجمع بيني وبين البطلة هيام ( ياسمين رئيس)، صحيح إنها في الحادية والعشرين وأنا أتممت عامي الرابع والعشرين، صحيح إنها عاملة في مصنع غالباً لم تستكمل تعليمها وأنا أنهيت دراستي الجامعية وأعمل كمحررة في موقع إلكتروني، وصحيح أنها تسكن في منطقة شعبية أقرب إلى العشوائيات، وأنا ابنة الطبقة التي تكافح كي تبقى طبقة متوسطة.. كل هذا صحيح لكننا لازلنا متشابهين، يجمعنا التطلع والطموح الاجتماعي والعاطفي.
تحب هيام سعاد حسني، وتربيت أنا على صوتها ورقصها وسحقني موتها المفاجئ وأصابني باكتئاب وكنت بعمر لا يسمح بعد بالاكتئاب.
أرادت هيام أن تحب، ربما لأنها أصبحت في الحادية والعشرين " ويالهوي لما الواحدة يبقى عندها 21 سنة".. أرادت السعادة وظنت إنها في الحب لكن ليس أي حب، حب رجل جميل شكلاً وموضوعاً "حاجة كدة خمس تدوار".
أخذنا نغني مع صوت سعاد حسني "بمبي، يا واد يا تقيل، وإمتى يا هوى تيجي سوا"، وغنينا أيضاً "ادعوله بقى ينساها ويضحك".
أردت مثلها الحب فعدنا سوياً محطمي الفؤاد، وكأن القدر يقول ليس من حقكم التطلع لطبقة أخرى حتى ولو كانت تعلوكم بدرجة واحدة.. ليس من حقكم الحلم.
عندما ذهبت يوماً إلى جروبي تقطع ميدان طلعت حرب سريعاً وقلبها يتقافز قبلها بين الرجاء والتمني، قطعت أنا الطريق قبلها.
عندما همست " هو عيب الواحدة تقول لواحد إنه واحشها"، همست أنا: لا، لكنك ستعودين وحيدة يا صغيرتي، وأخاف عليك الوحدة، أخاف أن تغني وحدك "الحُرقة والفُرقة والغرقة، والزومبة في البومبة الذرية" فلا يسمعك أحد، كما غنتها سعاد وحيدة في ضباب لندن، وكما ستغنيها آخر فتاة على الأرض تعاني جفاء الحبيب وقسوته لإنه وجدها لا تليق به، أو ترفعه درجة في السلم الإجتماعي.
بينما تغني سعاد حسني "عايزين نحب يا قلبي يلا عايزين نحب" كنتِ تغني معها، لكن حياتك الصغيرة ذات الواحد وعشرين عاماً لم تخبرك قبلاً أنه ليس من حقك أن تحبي وإذا أحببتي لابد أن يكون المحبوب من نفس الطبقة الاجتماعية، وإلا اختل النظام الكوني.
عندما تهم والدة صلاح ( هاني عادل) بإحراجها تمشي بجانب سور مترو الأنفاق، وقد بدا وكأنه أطبق عليها في لقطة بديعة التكوين لخان، بينما تطل سعاد حسني مجدداً لكن هذه المرة من خلال جرافيتي بصورتها وتحته جملة "البنت زي الولد" لكن الواقع يقول عكس ذلك، من حق الولد أن يختار ويقرر من يحب، لكن البنت لا تملك إلا أن تنتظر وأن تلمّح، على آلا تنسى أنه يمكن أن تنالها إهانة على يد واحدة من بني جنسها، سواء كانت أم الحبيب أو حتى جدتها التي قصت لها شعرها في مشهد لاحق.
استطاعت هيام أن تطوي كل كلام الآخرين ولومهم وإهمال من أحبته وجفاءه وقسوته تحت حذائها وترقص في مشهد شبيه برقص حياة ( عايدة رياض) في فيلم ( شقة مصر الجديدة).. رقص يدعو للحياة ولبدء صفحة جديدة.
ستكوني سعيدة يا صغيرتي كما وعدنا خان في أحلام هند وكاميليا، سنزور البحر ولن تضيع أحلام.. هذه ليست أمنية هذا وعد.
مشهد 3| نهار خارجي| يمضي بي الميكروباص بين عملي ومترو الأنفاق الذي أستقله حتى منزلي، أمضي الوقت في تصفح رسائلي على موقع الفيس بوك، تضئ علامة رسالة جديدة بيني وبين صديق.
يسألني: إنتِ بتعدّي الأيام على نزول فتاة المصنع؟!
أرد وقد أرتسمت ابتسامة واسعة على وجهي: آه طبعاً ده خان مربيني.