"ربما لم يشهد التلفزيون الأمريكي مسلسلاً مثل Game of Thrones".. الناقد "كريستوفر أور"
بشكلٍ شخصي، لم أتحمس في البداية لمشاهدة مسلسل Game of Thrones، عند مشاهدة أول حلقتين في الموسم الأول "تُهْت"، حرفياً، وسط كل تلك الأسماء والعائلات والعلاقات المعقدة بينهم، قبل أن أكمل ثقة فقط في آراء البعض ممن أثق بهم، وفي سمعة المسلسل نفسه كعملٍ استثنائي في تاريخ التلفزيون الأمريكي، مع الوقت عرفت الشخصيات، بدأت العلاقات المُعقدة في الحل والتكشف، من السهل حساب موازين القوى، صِرت أعرف جيداً حدود الأرض الأسطورية في "ويستروس"، ووقتها.. تذكرت كثيراً جملة "كريستوفر أور" في المفتتح: هذا مسلسل مختلف فعلاً عن أي شيء آخر.
قناة HBO قررت المخاطرة منذ البداية، حين أعلنت التصدي لسلسلة روايات الكاتب " جورج مارتن"، الأفضل مبيعاً في أمريكا لسنواتٍ متتالية، والتي صدر منها أربعة أجزاء حتى الإعلان عن إنتاج المسلسل، وصاروا خمسة بعدها، مع كتب أخرى قادمة.
كانت المخاطرة تحديداً في الكلفة الضخمة التي سيتطلبها بناء عالم خيالي يسمى "ويستروس"، بسبع عائلات ضخمة تتنازع على "العرش الحديدي" لحكم الأرض، مع كل تفاصيل الحرب ومجاميع الممثلين التي سردها "مارتن" في سطور وصفحات ولكن تحقيقها يتطلب الملايين، وأن يكون ذلك في التلفزيون؟ فإنها أكبر مخاطرة إنتاجية تخوضها قناة إزاء عمل، لأنه حين يدفع منتجو ثلاثية The Lord of the Rings مثلاً 300 مليون دولار لتحقيق العمل –وأذكره تحديداً بسبب تشابه الأجواء الأسطورية مع المسلسل- فإن السينما أمرها مختلف وعائداتها أكبر ومعتمدة على المشاهد مباشرةً، لذلك تقل نسبة المخاطرة، فالعائدات في النهاية تجاوزت الـ2.7 مليار دولار للأجزء الثلاثة، في التلفزيون لا توجد تلك الأرقام لأن الميزان الإنتاجي مختلف، قبل أن تقرر HBO أن تضرب بكل هذا عرض الحائط.
وضعت القناة ميزانية 60 مليون دولار لإنتاج الموسم الأول، وهي أكبر ميزانية في تاريخ التلفزيون الأمريكي، ولتفهم مدى ضخامة الرقم يمكن القول أن المسلسل الذي يليه في القائمة هو مسلسل الخيال العلمي الذي يقف وراءه ستيفن سبيلبرج شخصياً Terra Nova، ولم تزد ميزانيته عن الـ20 مليون دولار!
طرح الموسم الأول فقط كان كافياً لإثبات أن مغامرة HBO كانت في محلها، وأن المسلسل ضمن أنجح ما قدمه التلفزيون الأمريكي خلال تلك الفترة، فيبدأ العمل على الموسمين الثاني والثالث، اللذين وصلا للأنجح على الإطلاق، وشهدا أعلى نسب مشاهدة وأعلى أرقام تحميل من الإنترنت خلال العامين الماضيين، ومع بدء عرض الموسم الرابع يوم 6 أبريل.. فإنه من المتوقع أن يتجاوز كل الأرقام السابقة، لأن الأحداث المتشابكة وحدة الإثارة الحربية بين العائلات السبعة ترتفع في كل مرة، "الحرب قادمة، والرجال سيموتون" كما تقول إحدى الجمل الدعائية للموسم الجديد.
قصة المسلسل، كما يمكن سردها بأبسط الأشكال المحتملة، هي عن أرض "ويستروس"، وصراع سبع عائلات كاملة من أجل السيطرة على حكمها، ميزة المسلسل الحقيقية، وهو شيء لم يكن ليحتمله أي فيلم سينمائي، هو أنه يجعلك متورطاً مع كل عائلة، بل ومع كل شخص في هذه العائلة، وتتجاذبك الانحيازات طوال الوقت على الصف الذي ستقف فيه كمشاهد، والطرف الذي ترغب في أن ينتصر خلال المعركة أو يثبت قوة في تلك المرحلة.
في الموسم الأول ينزع فتيل كل شيء وتتحدد الأطراف: الملك "روبرت بارثيون" يموت، يصبح ابنه المراهق "جوفري" هو الملك مما ينقل الحكم عملياً لعائلة " لانستر"، ويقرر "جوفري" قتل "نيد ستارك" الذي يرى عدم شرعية جلوسه على العرش، هذا الاختصار –المخل جداً- يخلق الافتتاحية التقديمية: عائلة " ستارك" ترغب في الانتقام، وعائلة " لانستر" تحاول الحفاظ على العرش، وعائلة "بارثيون" يعتقد أخوي "روبرت" أنهم المستحقين لأنهم يصبحوا "ملوك ويستروس"، مع ثلاث عائلات أخرى تقوم بعقد تحالفات وتنتظر الانقضاض في اللحظة المناسبة، وعلى الناحية الأخرى فإن الابنة المتبقية من عائلة " تارجريان" تبدأ في تكوين جيشاً من أجل استعادة "عرش عائلاتها"، مستعينة بثلاثة تنانين تمنحها قوة استثنائية.
ذلك هو الخط العام الأساسي للمسلسل، والمعارك المتداخلة التي تتحقق فيه، سواء على مستوى واسع: حروب العائلات، أو –وهذا الأهم ربما- على مستوى أصغر متعلق بالأشحاص ذاتهم، ومقدار التعقيد والمواقف المختلفة والتناقضات الأخلاقية التي تبرز في كل شخص مع كل حلقة جديدة، وكان سبباً لنجاحه الكبير هو التطرف الشديد الذي ينتهجه في التعامل مع الأحداث، ومع أمور مثل "الجنس" أو "العنف"، فهو يأخذ كل شيء لذروته، وبشكل أكثر جرأة أيضاً عن أي مسلسل آخر سبقه، وهي نقطة هامة في سياق نجاحه وانجذاب الجمهور لعالمه.
مع نهاية الموسم الأخير، كانت عائلة " ستارك" قد تفتت بشكل شبة كامل، عائلة " براثيون" تسعى للعودة من جديد بعد خسارة معركة، وعائلة " لانستر" مازالت على العرش ولكن بالكثير من الترنح والصراعات المتدخلة، "دانييرس تارجريان" أو "كاليسي" صار جيشها أقوى كثيراً من أي وقت مضى وأصبحت جاهزة لعبور البحر والاستيلاء على العرش، وفي الشمال فإن الكائنات الأسطورية المسماه بـ"الموتى البيض" ينبعثون من جديد ويعرضون الجميع للخطر.
بدأ عرض الحلقة الأولى من الموسم الرابع بعنوان "Two Swords" قبل يومين في التلفزيون الأمريكي، وحققت –كما كان متوقعاً- نجاحاً ضخماً في نسب المشاهدة بالتلفزيون، وتوقعات بأن يكون هذا هو الموسم الأفضل من مسلسل تاريخي بالفعل.
موقع "السينما.كوم" سيقوم أسبوعياً بمتابعة كل حلقة من الموسم الرابع لـ"صراع العروش"، وسبندأ آخر الأسبوع الجاري في مقال منفصل عن حلقة "Two Swords"، وكان هذا المقال فقط هو مقدمة تمهيدية لاسترجاع تجربة صناعة المسلسل وأهميته، وأسباب النجاح التاريخي الذي يحققه كتجربة مختلفة تماماً على مشاهدي المسلسلات.
وحتى نلتقي مرة أخرى في موضوع الحلقة الأولى من الموسم الرابع، فإن الشيء الوحيد الذي يمكن قوله هو الجملة التي كتبها الناقد "كريستوفر أور" في خاتمة حديثه عن المسلسل : "إذا لم تكن قد دخلت إلى أراضي "ويستروس" بعد فحاول أن تفعل ذلك في أقرب وقت، فأنت لم تشاهد شيئاً مثل Game of Thrones بعد".