منذ اللحظة الأولى التي صدرت فيها الملصقات الدعائية والإعلان الأول المصور بالأبيض والأسود لفيلم سامح عبد العزيز الجديد " حلاوة روح"، صار الأمر بالغ الوضوح لأصغر شخص دخل لتوه في طور المراهقة أن الفيلم "منحوت" بشكل كبير من الفيلم الإيطالي الشهير " مالينا" للمخرج الإيطالي جوسبيي تورناتوري، حيث ينقل أحد الملصقات نفس وضعية جلوس مالينا ( مونيكا بيلوتشي) ونفس وضعية المراقب التي يحتفظ بها الفتي ريناتو (جوسيبي سولفارو) لينقلها كما هى تقريبًا، كما يستوحي الإعلان أحد مشاهد الفيلم الإيطالي حينما يحاول رجال البلدة إشعال السيجارة لمالينا، ولكن بعد مشاهدة الفيلم، نجد أن سامح عبدالعزيز والسيناريست علي الجندي قد بذلوا الكثير من الجهد من أجل نفي تهمة "النحت" عن الفيلم الآخر، وأنه فيلم مختلف بالكلية، لكن هناك سبب رئيسي يدفع كثيرًا إلى الظن بثبوت هذا الاتهام على الفيلم.
هذا السبب يكمن في الارتباك الحادث في رؤية صناع الفيلم لشخصية "روح" ( هيفا وهبي) نفسها، الذي ينتج عن الرغبة الداخلية في التمسك ببعض الخصال التي ميزت شخصية "مالينا"، وبين إضافة خصال جديدة للشخصية لكي تبدو مختلفة عن "مالينا"، وتتبدى مظاهر هذا الارتباك في أكثر من موضع في الفيلم، فطريقة الملبس التي تنتهجها "روح" على سبيل المثال في أول مشهد تذهب فيه إلى السوق مع حماتها يتناقض بالكلية مع سلوكيات امرأة محافظة مثلها تعيش في منطقة شعبية وترفض إغلاق الباب عند زيارة أي من رجال الحارة لها، ناهيك عن كونها وافدة من المنصورة، وهو ما لا يفلح معه مجرد التبرير الدرامي بأن حماتها كانت غير راضية عن ملبسها، ونفس الحال ينطبق علي المشهد الذي تقوم فيه روح بنشر الغسيل وهى ترتدي فستان مفتوح الصدر في تحدي غريب لوالد سيد ( باسم سمرة) الذي يحاول تطويعها لإرادته بشتى السبل.
مظهر آخر شديد الفجاجة لهذا الارتباك يتمثل في مشهد حلم اليقظة الغريب الذي يراود "روح" بعد أن تقوم حماتها بمنعها من متابعة مجريات حفل الزفاف الدائر خارج منزلها وإجبارها على الذهاب للنوم في غرفتها، ففي حلم اليقظة ترفض الانصياع لأمر حماتها وتخلع العباية السوداء لتقف أمامها بكل جرأة محدثة إياها عن جمال جسدها الذي لا يستطيع الرجال الصمود أمامه، ثم تذهب إلى الفرح لتندمج في وصلة رقص برفقة المطرب الشهير " حكيم" الذي ينبري في الغناء عن نفس الهراء المتعلق بـ"جمال الروح الباقي وجمال الجسد الفاني"، وناهيك عن كون المشهد ليس له أي مسوغ درامي في الفيلم، وأنه مشهد ملفق بالكامل ويناقض ما سبق وما عدى، وأن وجوده مثل عدمه، لا يعرف المشاهد بالضبط لمن توجه كلمات الأغنية عن الروح والجسد؟ لـ"روح" التي تحارب من أجل الحفاظ على شرفها رغم كل العوائق، أم لـ"مالينا" التي تستسلم بعد وفاة زوجها في الحرب للدعارة بعد انقطاع كافة السبل أمامها؟
يكمن الارتباك كذلك في الطريقة التي يحاول بها صناع الفيلم طوال الوقت مغازلة الجمهور بما يحب سماعه ورؤيته عن الجنس على نحو ضمني، وفي حدود المتاح والمسموح به في الأعراف المصرية، وهو بالتأكيد أمر ليس بالجديد في الأفلام التي تخرج من عباءة ( السبكي)، لكن الارتباك هنا يبدو أكثر تجليًا في ذلك الخلط المتعمد الذي يقوم به الفيلم فيما يتعلق بسلوكيات "روح" الشخصية بين تقديمها لتكون رمز للإغراء بشكل صرف، وبين كونها امرأة متعطشة للقاء زوجها الغائب عنها.
وبما أن الرؤية العامة للشخصية مرتبكة، فكان شيء حتمي لأقصى حد أن يأتي الأداء التمثيلي على نفس القدر من الارتباك، وخاصة عندما تكون هيفا وهبي هي التي تتصدى لهذه المهمة، حيث تحاول هيفا بشتى الطرق من خلال أدائها المفتعل أن تجمع البعد الدرامي والبعد الإغوائي لشخصيتها، لكن أدائها ينتصر دائمًا للبعد الثاني، كما أن السيناريو برؤيته الملتبسة في الجمع بين روح ومالينا في عباءة واحدة يفوت عليها أي فرصة، ناهيك عن التوجيه الإخراجي السيء الذي تناله هيفا فيما عدا الشق الذي يفترض أن تكون فيه مغوية.