ريك بيكر.. أكثر من مذؤوب!

"أنا أفعل ما كنت أفعله كهواية وأنا طفل، وأتكسب من وراءه. أشعر أنني واحد من أكثر الرجال حظًا في العالم ﻷنني أحصل على أموال مقابل أن أصنع عرائس وألعب بها".

"الماكياج هو عملية إضافة، أن تضيف شيءٌ ما لوجه ممثل. من السهل أن تجعل أي شخص يبدو أكبر سنًا أو أكثر بدانة. لكن الآمر أصعب بكثير إذا حاولت أن تجعله أنحف لأننا في الحقيقة لا نستطيع الانتقاص من ما هو موجود فعلًا.. هذا هو التحدي".

ريك بيكر، فنان مؤثرات مكياج خاصة

فنون المؤثرات البصرية عديدة ومتشعبة، ومن ناحية الألفاظ يحتار الجمهور كثيرًا فى التفرقة بين مصطلحات تقنية كالمؤثرات الخاصة Special effects، والمؤثرات الرؤيوية Visual effects، والمؤثرات الحية Live action effects. المؤثرات في السينما عمومًا لها أربعة أركان رئيسية هي: المكياج، المؤثرات الميكانيكية، الخدع الرقمية، والخدع الحية.. بالإضافة إلى ألاعيب الكاميرا التي تعرف بالـIn-camera effects. اليوم نتحدث عن المكياج وعن واحد من أهم رواده، ربما في مرة قادمة نتناول فرع آخر من فنون المؤثرات البصرية.

هناك ثلاثة أنواع رئيسية من المكياج يتم تنفيذها فى الأفلام. النوع الأول يطلق عليه Street makeup وهو أكثر أنواع المكياج شيوعًا، وهو ببساطه يختص بجعل الممثلين يظهرون بشكل أفضل أمام الكاميرا، وهذا عن طريق تغطية عيوب الوجه والجلد بمساحيق التجميل والبودره وخلافه من أدوات التجميل التى تستخدمها أي فتاة فى منزلها، وهى عملية روتينية تُعرف بالتبرج. النوع الثاني هو الـ Character makeup أو مكياج الشخصية، وفيه يتم تغيير ملامح الوجه ليبدو الممثل أكبر سنًا أو أكثر بدانه، أو لإعطاؤه لون بشرة مخالف للون بشرته الحقيقي، وهذا يساعد الممثل على تقمص عشرات الشخصيات المختلفة والظهور بأكثر من شكل حتى فى الفيلم الواحد. النوع الثالث والأخير هو الـ Special makeup effects أو مؤثرات المكياج الخاصة، وهو النوع الوحيد من أنواع المكياج الذى يدخل ضمن فروع المؤثرات الخاصة، وفيه يتم استخدام أقنعة وأعضاء صناعية Prosthetics وأجزاء ميكانيكية - وأخرى بلاستيكية - لمحاولة خلق وجود غير إنساني. بمعنى آخر تحويل الممثل إلى مسخ أو حيوان أو مخلوق فضائى. اليوم نتحدث عن رائد من رواد فن الـ Special makeup effects، وخبير مسوخ من الدرجة الممتازة.

أفضل تقديم للرجل هو مشهد شهير جدًا من فيلم رعب قديم ظهر فى أوائل الثمانينات هو An American Werewolf in London.. يُظهر المشهد مراحل تحول الممثل دافيد نوتن إلى مذؤوب فى تتابع مريع وصادم عجز الكثيرون وقتها عن تفسير كيفية صنعه. استطاع خبير مؤثرات المكياج الخاصة ريك بيكر أن يُرينا فى تتابع مٌتّصل المفاصل وهي تنخلع والعظام يتم مطّها والعضلات تلتوي وتتمزق والشعر يغزو جسد الرجل المسكين الذى عقره ذئب، كل هذا يتم أمام أعيننا المذهوله في قلب الكادر وبإضاءة ممتازة لا تُسهل مُهمة إخفاء عملية التحول الصعبه. المشهد كان تحديًا حقيقيًا لريك بيكر واحتوى على العديد من خدع التصوير المبتكرة، الخدع تضمنت جيوب بلاستيكية تنتفخ من تلقاء ذاتها بواسطة هيدروليكيات، وحفرة تحت الأرض لإخفاء جسد الممثل واستبداله بجسد اصطناعي مُتحرك، ومُسطحات من المطّاطتمثل الجلد فى المراحل المختلفه تتمدد وتتكامل مع بعضها البعض لخلق صورة جديدة تختلف عن صورة اللحظة التى تسبقها دون اللجوء للقطع.. ترى بعينيك الشعر وهو يغزو ذراع الرجل، وعظم جمجمته يستطيل ويتشوه، كل هذا تم قبل عصر الكمبيوتر جرافيك وخُلق أمام الكاميرا مباشرةً بحرفية فائقة شديدة الإقناع جعلت الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون المانحة للأوسكار تعلن فى نفس السنة عن تأسيسها لجائزة جديدة هي أوسكار أفضل مكياج سينمائي، وتم منحها لـ بيكر لأول مرة.

استهوى مجال المكياج بيكر عندما كان لايزال طالبًا فى المدرسة، في سن المراهقة كان يقوم بصنع أعضاء بشرية صناعية في مطبخ والدته.. إلهامه الرئيسي كان مسخ فرانكنشتين من الفيلم الأصلي عام 1931 الذي صممه جاك بيرس، عندما شاهد بيكر المسخ عرف على الفور أن هذا هو ما يريد أن يفعله بقية حياته. بدأ العمل فى السينما أول مرة عام 1973 كمساعد لفنان مكياج مخضرم أنذاك هو ديك سميث في فيلم الرعب الشهير جدًا The Exorcist، وقدم الاثنان مشاهد صادمة لفتاة يتلبسها شيطان ويقوم بتشويه وجهها بعنف ويتحكم في جسدها بأوضاع مستحلية فيزيائيًا.. مشهد دوران رأس الفتاة حول نفسه 360 درجة كان من أصعب التحديات فى الفيلم، ولتنفيذه قام ديك سميث وريك بيكر بتصميم رأس دمية يُشبه الممثلة ليندا بلير التي لعبت الدور، وتم تركيب الرأس على مفصله تدور بشكل كامل حول محورها. أما لجعلها تتحدث فى هذه الوضع المعكوس تم تركيب رأس ليندا بلير على جسدٍ من البلاستيك دون رأس بينما كان جسدها الحقيقي مختفيًا وراء الدمية البلاستيكية.. ثم بعد ذلك جاءت مرحلة القيء الأخضر، وتم تنفيذه باستخدام رأس الدمية التى صُنعت لمشاهد دوران الرأس بحيث وُضِع قاذف خاص داخل الدمية يطلق سائل أخضر لزج بضغطة زر.

بعد نجاح الفيلم الكاسح، استقل بيكر بعمله، وقام بصنع بذلة غوريلا ذات رأسين وارتداها بنفسه ليؤدي الدور فى فيلم رعب كوميدي بعنوان The Thing with Two Heads عام 1972. وكرر نفس الأمر مرة أخرى وارتدى زى كينج كونج الذى صممه بنفسه فى فيلم عام 1976، كما فعل نفس الشيء مع العديد من الأفلام اﻷخرى التى نفذ فيها مؤثرات التنميق. قبل ذلك اشترك بيكر فى فيلم جيمس بوند Live & Let Die وُطلب منه تصميم رأسين أحدهما سيتم إطلاق النار عليه أمام الكاميرا والأخر سينتفخ وينفجر. كما عمل أيضًا فى فيلم رعب اشتهر بشده في منتصف السبعينات بعنوان It's Alive عام 1974 أخرجه اليهودي لاري كوهين، وفيه صمم طفل رضيع متوحش يتحرك بمجرد شد خيط.

أعطى القدر لـ بيكر فرصه لا تعوض عام 1977 عندما مرض ستيوارت فريبورن الرجل الذى كان مسؤلًا عن صنع الكائنات الفضائية لفيلم لوكاس الشهير جدًا Star Wars، لم يستطع ستيوارت إنهاء العمل بسبب مرضه فدخل بيكر كبديل له، وجمع وقتئذٍ فريق كبير لمساعدته تضمن أسماءً مثل فيل تيبيت، جون بيرج، روب بوتيم الذين أصبحوا الآن مجموعة من أشهر خبراء المؤثرات الخاصه، كلٍ فى تخصصه. وفى عام 2010 عاد الرجل ليصمم مؤثرات تحول مذءوب آخر فى فيلم The Wolfman من بطولة أنتونى هوبكينز وبينيسيو ديل تورو الذى قام بدور الرجل الذئب.. وكانت هذه هى ثالث مرة فى تاريخه السينمائى الذتى يقدم فيها بيكر خدع تحول إنسان إلى ذئب.

بالطبع لن نستطيع إحصاء كل ما حققه ريك بيكر فى حياته الصاخبة، يكفي أن تعلم أنه شارك فى عدد مهول من الأفلام وقدم كل صنوف الإبداع فى مجال المكياج السينمائى وتصميم الأقنعة، وهو الذى منح فن مؤثرات المكياج الخاصة الاعتراف الرسمى به كأحد فروع المؤثرات البصرية وأجبر الجميع على احترامه وتقدير مكانته. وقد تم تكريمه من الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون 7 مرات بمنحه الأوسكار عن الأفلام التاليه: An American Werewolf in London, Harry and the Hendersons, Ed Wood, The Nutty Professor, Men in Black, How the Grinch Stole Christmas, The Wolfman هذا بالإضافه إلى 5 ترشيحات أخرى.

في 2012 عاد بيكر لعالم Men in Black في الجزء الثالث من السلسلة وحقق نجاحًا جديدًا.. ومؤخرًا قام الرجل بصنع كل خدع المكياج في فيلم أنجلينا جولي الجديد Maleficent الذي من المُتوقع أن يؤهله لحوز الأوسكار الثامنة في حياته، ليستمر الرجل في ضرب أرقامه القياسية بنفسه، ويثبت أنه واحد من أنجح فناني المكياج على مر العصور وأكثرهم خبره.

مشهد التحول لمذؤوب من فيلم An American Werewolf in London
link]