من بين عشرات التصنيفات الفرعية التي خرجت من عباءة أفلام الخيال العلمي، تظل لأفلام (الأوبرا الفضائية) مكانة خاصة في قلوب مشاهدي ومحبي أفلام الخيال العلمي، لأنها تملك قدرة فائقة على أن تجمع في جعبتها الكثير من العناصر الجذابة على الصعيد الدرامي: العالم الموازي، المغامرة الشيقة، الصراع بين الخير والشر في صورته الكلاسيكية، الروابط العائلية، علاقات الصداقة والحب، وكان تواجد كل هذه العناصر مجتمعة هو السبب الرئيسي وراء الشعبية الفائقة التي حازت عليها عدد من الأعمال المنتمية لعالم الأوبرا الفضائية، وعلى رأسها سلسلة Star Wars للكاتب والمخرج جورج لوكاس، و Star Trek لمبدعها جين رودنبرج.
وبما أن هناك الكثير من التنافس الشرس بين كافة سلاسل الأوبرا الفضائية على تكوين قاعدة جماهيرية مخلصة، فكان على كل عمل جديد أن يقدم ما هو مختلف وجذاب عن بقية الأعمال المتواجدة، مع امتلاكه القدرة على تحقيق الإشباع لدى المشاهد على المستوى الترفيهي، وخلق رابط قوي بين المشاهد والشخصيات الرئيسية، وبما أن (مارفل) قد قطعت شوطًا كبيرًا على مدار السنوات الفائتة من حيث عدد الأفلام التي أنتجتها بناء على مخزونها الضخم من القصص المصورة، والتي لا يزال الكثير منها في انتظار أن يبصر النور، فكان لابد من الالتفات إلى Guardians of the Galaxy كمشروع سينمائي جديد يملك إمكانيات مبشرة لخروج أوبرا فضائية جديدة بمذاق غير مسبوق ويشبه كثيرًا عالم (مارفل).
هناك طريقتان متأصلتان في كافة الأفلام التي تملك عوالم موازية لأجل إقامة تلك العوالم: الأولى- هي إقامة قطيعة تامة مع العالم الواقعي فلا يبقى سوى العالم المُتخيل الذي يشيده صناع الفيلم، والثانية- أن يسير العالمان معًا طوال الوقت كتفًا بكتف، أو وجودهما بنسب متفاوتة حسب النسبة المعطاة للعالم المُتخيل، أما في Guardians of the Galaxy، تُخلق معادلة جديدة بتواجد وحضور العالم الواقعي على المستوى المعنوي في العالم الفضائي الجديد الذي يخلقه الفيلم، كيف؟
نحن لا نرى أي شيء من العالم الواقعي طوال الأحداث سوى المشهد الافتتاحي للفيلم الذي تقع أحداثه في عام 1988، والذي يودع فيه بيتر كويل (واسمه في عالم الفضاء لاحقًا ستار لورد) والدته التي تحتضر بسبب السرطان، والتي تحدثه قبيل موتها عن أبيه الذي لا ينتمي لعالم الأرض، وتعطيه هدية لا نعلم ماهيتها سوى مع ختام الفيلم، ليصير معنا الآن واحدة من تلك الروابط التي تربطنا بالعالم الواقعي، وتربط البطل الرئيسي كذلك به، وهى الرابطة العائلية التي تظل حاضرة طوال الأحداث على نحو ضمني (ومن الواضح لنا على أي قصة متوارثة تتكيء بالضبط)، حتى بعد اندماج كويل/ ستار لورد ( كريس برات) مع عالمه الجديد بعد اختطافه من قبل العصابة التي يقودها يوندو يودنتا ( مايكل روكر).
الرابطة الثانية التي ينسجها الفيلم بين العالمين على نحو متميز هى رابطة ثقافية بالأساس، تعتمد على استخدام مكثف وغير مسبوق في هذه النوعية من الأفلام لمجموعة من أشهر أغاني البوب الأمريكية، خاصة تلك التي ظهرت طوال حقبتي السبعينات والثمانينات، والتي نسمعها مع ستار لورد طوال الوقت من خلال الووكمان خاصته، حيث يستعيد ذكريات طفولته معها، وذكرياته مع أمه، ونظل نحن كذلك – كمشاهدين – مرتبطين بحضور العالم الواقعي في داخلنا، حتى مع اندماجنا التام مع المغامرة الكبرى التي يعيشها ستار لورد مع رفقائه الأربعة في العالم الفضائي.
الممتع في الفيلم كذلك، وهو ما أجمع عليه كافة المشاهدين، هو الجرعة الفكاهية الكبيرة التي يبثها، وغير المعتادة في الوقت ذاته – من حيث الكم - في أفلام الأوبرا الفضائية، والتي تزداد مع كل شخصية جديدة تنضم لرفقة ستار لورد، لتكون لكل شخصية روحها الفكاهية الخاصة بها، فبينما تستمد فكاهة روكيت الراكون ( برادلي كوبر) من البذاءة المتأصلة في شخصيته، تنبع روح فكاهة دراكس المدمر ( ديف بوتيستا) من سوء فهمه للكلام وأخذه الكلام المجازي على أساس كونه واقعيًا ومقصود بحرفيته، أما جروت ( فان ديزل)، فهو لا يردد طوال الفيلم سوى جملة واحدة فقط، لكنها كافية للغاية لكي تدفع المشاهد للضحك، خاصة أنه يرددها في كل مرة بنغمة صوتية مختلفة وبمعنى مختلف.
وإذا نظرنا للفيلم بكونه جزء أول من سلسلة مرتقبة، فإن الفيلم ينجح في عدم كشفه عن كل الأوراق التي يحملها بحوزته، ويدخر الكثير منها لما هو قادم، حتى لا يحرق نفسه قبل أن يبدأ، خاصة فيما يتعلق مثلا بعلاقة ستار لورد بأبيه الذي لا نعلم عنه أيء شيء طوال الأحداث سوى أنه من الفضاء، ومدى علاقة ستار لورد بيوندو، أو عن روابط العلاقات المتشابكة لجامورا ( زوي سالدانا)، أو عن كافة القوى التي تسيطر على المجرة، والتي لم نعلم منها إلا القليل.
Guardians of the Galaxy من أكثر الأعمال الممتعة لهذا العام، على الأقل على المستوى الترفيهي، خاصة بالروح الجديدة التي يحاول أن يصيغ بها الأوبرا الفضائية على طريقته، لكن الرهان الأكبر سيكون حول مدى صمود هذه القصة لتكون بذرة صالحة لسلسلة أفلام قادمة، وهو ما سنعلم إجابته بالتأكيد في عام 2017 مع الجزء الجديد.