في عالم الصناعة، تمر عملية سبك المعادن أو تشكيلها بعدد من الخطوات، ففي البداية يتم صهره، ثم يصب وهو في الحالة السائلة في قالب مُختار، ثم ينتهى الأمر باتخاذه شكل القالب الذي يحمله بعد وصول المعدن إلى الحالة الصلبة، ومع اختيار قالب مغاير للهدف المطلوب، سيحمل المعدن في النهاية شكل القالب الذي أختير له دون أن يغير ذلك من الأمر شيئًا.
أما في عالم السينما، وفي الفيلم الذي يحمل اسم ( حديد) لمخرجه ومنتجه محمد السبكي – حسبما ما هو مذكور في تترات الفيلم -، فالمفارقة الكبرى أن الفيلم ليس بهذا السوء الذي قد يظنه الكثيرون من الانطباع الأول، وربما كانت مشكلته الأساسية التي تتغلغل في كل ثنايا الفيلم أنه يحمل مادة خام أولية جيدة يمكن البناء عليها، لكن هذه المادة الخام تنصهر مع كافة الشوائب والزوائد التي يحملها، وينتهي بها الأمر في قوالب تغير من معالم هذا المعدن، ليخرج على نحو مغاير عما كان واعد به في حالته الأولية.
الأمر يبدأ ولا ينتهي من اختيار اسم الفيلم في حد ذاته، وهو في نفس الوقت الاسم الأخير للبطل الرئيسي عمار جاد الحق حديد ( عمرو سعد)، ومجيء الاسم بصيغة التنكير في الأساس أمر كافي لاستدعاء كافة الدلالات الفعلية والمجازية التي يثيرها في الأذهان، ولكن لأن صناع أفلامنا لا يثقون كفاية في وصول هذه الدلالات للمتلقين، فهم يصروا على وضع الأمر في قالب (التوجيه المدرسي)، حيث يفرد الفيلم العديد من المشاهد من أجل شرح وإيضاح هذه الدلالات على لسان أبطال الفيلم وعلى رأسهم حامل الاسم ذاته رغم حضورها بالفعل دون الاحتياج لأي مساعدة خارجية.
وفي حال عدم وصول هذه الدلالات من خلال (التوجيه المدرسي)، فيوجد قالب آخر مضمون النجاح في الشرح من كثرة استخدامه في كافة أفلام السبكي، وهو قالب (الغناء/الرقص)، ومثلما نجح هذا القالب من قبل مع الجمهور في ( حلاوة روح) في سبيل الوصول لفكرة "فناء الجسد وبقاء الروح"، تقوم كذلك أغنية الفيلم هنا بالحديث مطولا عن "طبيعتي الإنسان خيرًا وشرًا" من خلال الاعتماد طوال زمن الأغنية على نسق كامل من المتضادات التي "توضح المعنى وتقويه" كما كان يُقال لنا في المدرسة: "حديد يكلبش/حديد يلبش/ حديد يلين/ حديد يخربش".
نأتي لطريقة تقديم البطل للجمهور، والتي تعد من أصعب العناصر في الفيلم وينبني عليها الكثير من ثقله، فبدلا من وضعه هنا في موقف درامي كاشف وموجز لأكثر خصائصه بروزًا، يأتي هذا التقديم هنا في قالب (الإعلان التليفزيوني) الذي يعتمد على التلميع أكثر من التقديم، وبخصائص فنية تميل للإعلانات أكثر منها للمشهد السينمائي، سواء في بناء المشاهد، وطريقة تتابعها، وأسلوب القطعات المونتاجية الخاطف.
باﻹضافة إلى كل القوالب السابقة، يأتي قالب (السرد المنطوق) لكي يحصر الحكاية من كافة جوانبها، حيث الاعتماد المكثف على الحوار في السرد على الرغم من حضور وسائل سردية أخرى أكثر فاعلية لكنها غير مستغلة على النحو الكافي، وتعد الطريقة التي تُحكى بها حكاية عمار هى أبرز دليل على ذلك، فعلى الرغم من وجود المفارقة البصرية الواضحة بين عالم عمار السابق في حياته مع نادين ( درة زروق) وعالم عمار الحالي في السجن، والتي تملك القدرة على قول الكثير دون اللجوء للإسراف في الحوار، واعتماد بنية الفيلم على التراوح المستمر بين الماضي والحاضر طوال أحداث الفيلم، إلا أن هناك إصرار على الاعتماد المبالغ فيه على الحوار كوسيلة سردية.
وعلى الرغم من حقيقة كون عمرو سعد ممثل جيد، خاصة عندما يعمل مع مخرج يجيد فن توجيه الممثلين، إلا أن كثرة القوالب المحيطة به في هذا الفيلم تحاصره بشدة، ولا تجعل مجهوده المبذول يخرج على النحو اﻷكمل، مما يدفعه كثيرًا لمحاولة الاجتهاد من ذاته، حتى يصير الفيلم بأكمله قالبًا كاملا لا يمنحه الشكل النهائي الذي يطمح أن يخرج به ما وصفه بدور عمره.