في أولى أيام عروض مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، عرض للمرة الأولى في مصر الفيلم الفلسطيني ( عيون الحرامية) للمخرجة نجوى نجار الذي نال قسطًا كبيرًا من الاهتمام في الصحافة المصرية خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة لكونه من بطولة الممثل المصري خالد أبوالنجا في أول سابقة له للتعاون الفني مع السينما الفلسطينية، وبسبب تمثيل الفيلم لفلسطين في مسابقة الأوسكار من أجل الترشح لجائزة أفضل فيلم أجنبي.
استوحت الكاتبة والمخرجة نجوى نجار اسم الفيلم ومنطلقه الدرامي من وقائع عملية فدائية حقيقية قام بها رجل يدعى ثائر حماد السلوادي خلال عام 2002، مستهدفًا من خلالها إحدى الحواجز العسكرية الاسرائيلية في شمال رام الله، وقد أدت هذه العملية إلى مقتل 11 جنديًا اسرائيليًا، وهو ما أثار جنون السلطات الاسرائيلية لتقوم بعدها بعمليات عسكرية مكثفة في كافة أنحاء رام الله.
وبعيدًا عن هذا المنطلق الدرامي، فإن هذا لم يكن هو الهدف النهائي للفيلم، وإنما استخدمت التسمية في سياق الأحداث لتكون مجازًا عما يحدث داخل فلسطين ذاتها، وليس بين فلسطين واسرائيل فحسب، وخاصة في الخط الخاص الدرامي بعادل ( سهيل حداد) الذي يسيطر بنفوذه على المنطقة التي يفد إليها طارق خضر (خالد أبو النجا) للعمل كاختصاصي في شبكات المياه بعد قضائه 10 سنوات في المعتقل، وينجح في كشف ما يقوم به عادل من إنقاص متعمد لتدفق المياه في سبيل تزويد الاسرائيليين بالمياه.
لكن مشكلة هذا الخط ليست في وضوح مقصده، وإنما في التأكيد الزائد على وضوحه، حتى أن المقصد الكامن لهذا الخط يتكشف في نهاية الفيلم بشكل مباشر للغاية، بينما لم يكن الأمر يستدعي ذلك على الإطلاق، كما أن هذا الكشف جاء في قالب مسرحي غريب أفقد الفكرة معناها من الأساس.
وعلى النقيض التام من هذا الوضوح، تسيطر حالة من الغموض والخلط على الدافع المحرك لشخصية طارق خضر في النصف الثاني من الفيلم، خاصة بعد ان استقر به الحال في غرفته الجديدة المجاورة لمشغل الخياطة، فبعد أن كان شغله الشاغل طوال النصف اﻷول من الفيلم هو البحث عن ابنته الضائعة منذ دخوله إلى المعتقل، نجد فجأة أن هذا الدافع يختفي دون سابق انذار، ولا ندري لماذا: هل تصالح طارق مع فكرة عدم جدوى البحث عنها؟ هل تماهى في علاقته الانسانية مع ابنة ليلى ( سعاد ماسي) مما عوض لديه عاطفة اﻷبوة؟ هل انشغل أكثر بالبحث وراء عادل؟ لا نعرف اﻹجابة على وجه الدقة، ﻷن الفيلم يبدو وكأنه تناسى تمامًا هذا الدافع.
وعلى الرغم من هذه المأخذ على الفيلم، إلا أن هناك انسيابية كبيرة في ترسيم الحدود التي تشكل العلاقة بين طارق وليلى والطريقة التي تتطور بها، كما تزخر العلاقة بين طارق وابنة ليلى بالكثير من الحميمية والمشاغبة، والتي ساهمت في موازنة كفة الفيلم بشكل كبير في عدة مواقف.
وللمرة اﻷولى منذ سنوات، يلجأ الفيلم إلى وجوه غير فلسطينية لكي تتسيد بطولة الفيلم، على رأسهم المصري خالد أبو النجا والجزائرية سعاد ماسي والسوري سهيل حداد، وهو أمر مقبول بشكل عام، ويرتبط بعوامل تسويقية بحتة، وبعيدًا عن ذلك، كان خالد متماشي بشكل كبير مع أجواء الفيلم ومع اللهجة الفلسطينية دون مشاكل تقريبًا، أما سعاد فقد تمتعت بظهور محبب للقلب وخفيف على الروح ﻷقصى درجة، ولكن من الواضح أن سهيل كان هو الأكثر قوة من حيث الحضور في الفيلم على الرغم من الخاتمة المسرحية التي انتهى بها الفيلم.