في إطار برنامج عروض "أفلام العمل الأول" ضمن فعاليات النسخة السابعة من بانوراما الفيلم الأوروبي، تم عرض الفيلم السلوفيني " عدو الفصل" أو Class Enemy.
الفيلم إنتاج عام 2013، وهو العمل الأول لمخرج الأفلام القصيرة الناجحة روك بيكيك، والذي كتب له السيناريو أيضًا بالاشتراك مع نيك جازفودا ويانيز لابايني، وقد حاز الفيلم على 16 جائزة عالمية، من ضمنها جائزة أفضل عمل من أسبوع النقاد الدولي في مهرجان فينيسيا.
تدور أحداث الفيلم داخل مدرسة قرابة نهاية العام الدراسي، المعلمة "نوسا"، مدرسة اللغة الألمانية، والتي يحبها التلاميذ لما تعطيه لهم من حرية داخل الفصل، تضطر لأخذ أجازة وضع، ويأتي المعلم "روبيرت زوبان" بديلًا عنها.
"روبيرت" يتسم بشخصية هادئة وصارمة جدًا، ينفر منه التلاميذ في البداية، وعندما تقوم صديقتهم "سابينا" بالانتحار، يبدأ التلاميذ بإلقاء لوم وفاتها عليه، ويثورون ضده وضد نظام المدرسة ثورة عارمة، بعد أن قام بتوبيخها أكثر من مرة بسبب إهمالها الدراسي، ولكن يتبين بعد ذلك أن أسباب انتحارها لم تكن بهذا الوضوح.
رغم أن الفيلم يركز دراميته في الأساس على موضوع فكر القطيع وعلاقته بالثورة، يتطرق أيضًا إلي استعراض بعض الجوانب الأخرى البارزة في المجتمع السلوفيني، فالتلاميذ لا يفكرون كثيرًا قبل أن ينعتوا "زوبان" بالـ"نازي" لوصف برود شخصيته وخلوها من الرحمة.
وخلال اجتماع مجلس الآباء، يصور رون بيكيك مدى تجاهل أولياء الأمور لاختلاف الأجيال الشاسع عن بعضها البعض، وأحكامهم السطحية التي يتسرعون في إطلاقها على بعض الطلبة، ومديرة المدرسة، والمعلم زوبان.
وأثناء شجارًا حادًا بين الطلبة حول ماهية تعاطفهم مع "سابينا" وحدادهم علي وفاتها، يوجه الطالب الوحيد المغترب في الفصل، جملة إلى بقية زملائه السلوفينيين، ربما تلخص الكثير من واقع المجتمع السلوفيني: "أنتم السلوفينيين، إذا لم تقتلوا أنفسكم، تقتلون بعضكم البعض".
يؤدي الممثل إيجور ساموبار شخصية المعلم "روبيرت زوبان" ببراعة شديدة، معطيًا إياها الصرامة الظاهرية والداخلية، والثبات والهدوء اللذان يعكسا ما يدور في رأسه، بشكل يجعل منه نقيضًا صريحًا لعاطفية التلاميذ المراهقين السطحية، أما بقية المدرسين والعاملين في المدرسة _باستثناء المديرة التي تؤدي دورها ناتاشا جراكنر بواقعية وصدق شديدين_ فشخصياتهم مكتوبة ببعضٍ من الإهمال، يظهر عليهم في عدم وضوح شخصياتهم على الشاشة، وعدم تفرد كل شخصية بصوتها الخاص في الحوار.
ولعل أوضح مثال على هذا الإهمال هو شخصية مدربة الرياضة المقحمة بعض الشيء، والتي تؤدي حالة إعجابها الشديد بشخصية "روبيرت" بشكل نمطي وساذج تم ابتذاله في العديد من الأفلام، ولعل أهم ما يميز سيناريو "عدو الفصل" هو كيف استطاع كتابه أن يحركوا تعاطف الجمهور من ناحية "سابينا" إلى المعلم "روبيرت"، ثم إلي زملاء "سابينا" من طلاب الفصل، ثم إلي "روبيرت" مرة أخرى، ثم في النهاية يضعون المشاهد في منتصف الأحداث، بسلاسة وخفة تتعجب لها بعد انتهاءك من مشاهدة الفيلم.
وتماهى أسلوب روك بيكيك البصري، ورؤيته الإخراجية، مع النص الذي شارك في كتابته، ليكون تنفيذه له وفيًا للإحكام الدرامي الشديد الذي يتسم به النص، وخلق إيقاعًا متزنًا ومنتظمًا إلي درجة تجعل المشاهد على حافة مقعده حتى أخر لقطة في الفيلم، واستغل المكان الواحد، وهو المدرسة، والتي لا يخرج سرد قصة الفيلم منها أبدًا، خير استغلال، جعل معلومة كهذه لا تخطر في ذهن المشاهد إلا في مشهد النهاية السيريالي، حيث نرى العالم خارج المدرسة لأول مرة منذ أكثر من مائة دقيقة.