يبدو على المخرج الأمريكي تود هاينز - في جزء من مشروعه السينمائي وليس كله - أنه يهوى للغاية إعادة مناقشة الكثير من التيمات التي لم يكن من الممكن مناقشتها من قبل في حقب زمنية سابقة، ففي فيلمه المتميز Far From Heaven، يعود هاينز إلى حقبة الخمسينات من القرن العشرين لتقديم مثلث حب فريد من نوعه يفجر قضيتان لم يكن مسموحًا بتناولهما خلال هذه الفترة: المثلية الجنسية والتمييز العنصري ضد الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية.
ونفس الأمر ينسحب على إعادته لتقديم جيمس إم كاين الشهيرة Mildred Pierce من خلال مسلسل تليفزيوني قصير نال تقديرًا نقديًا كبيرًا لدى عرضه في التليفزيون الأمريكي، والذي يتخلى فيه عن كل المحاذير الرقابية التي أضرت بالفيلم المقتبس عن نفس الرواية والذي أنتج في عام 1945، وليقدم القصة كما كان يجب أن تُقدم منذ زمن طويل.
هذا العام، يعود تود هاينز لزيارة حقبة الخمسينات من القرن العشرين مرة أخرى من خلال اقتباسه للرواية (أو بالأحرى السيرة شبه الذاتية) للكاتبة الأمريكية باتريشيا هايسميث في فيلمه الجديد Carol الذي يشارك به هذا العام ضمن فعاليات المسابقة الرسمية في مهرجان كان السينمائي الدولي بعد غياب عن المهرجان دام 17 عامًا منذ مشاركته في عام 1998 بفيلمه Velvet Goldmine، والذي يتعاون من خلاله للمرة الثانية مع النجمة كيت بلانشيت بعد عملهما سويًا في فيلم I'm Not There.
وعلى غرار فيلم Far From Heaven، يعود هذا الفيلم ليطرق من جديد أبواب المثلية الجنسية في أمريكا الخمسينات من خلال تناوله علاقة حب تجمع بين امرأتين وتستند بشكل كبير إلى قصة حيقية عايشتها الكاتبة: ثيريس بيلفيت الفتاة العشرينية التي تعمل بإحدى المحال الكبرى في مدينة نيويورك، وكارول أريد المرأة البالغة المتزوجة.
وما أن انتهى عرض الفيلم ليلة أمس حتى اجتاحته عاصفة من المديح النقدي، حتى أن عدد ليس بالقليل من النقاد قد منحوه العلامة الكاملة، وهو ما يبشر بكونه كان عملًا على مستوى الانتظار المأمول من تود هاينز، فقد فضله الناقد السينمائي جاستن شانج في مراجعته لـVariety كثيرًا على رائعة آنج لي الشهيرة Brokeback Mountain، حيث أنه يرى أن Carol لا يغلف القصة بغلاف تراجيدي بخلاف الفيلم الآخر.
أما الناقد السينمائي تيم روبي من The Telegraph، فله رأي مهم يستحق الأخذ في الاعتبار حول سينما تود هاينز، حيث يقول: " إن هاينز يجعل من التعاسة شيئًا جميلًا، وهو أمر منطقي لكونه من محبي الفنان التشكيلي إدوارد هوبر، والذي يمكن حزر رسومه في الفيلم على نجو جلي"، كما قام الناقد في سياق المقالة بتعديد المشتركات بين وضعيات أبطال لوحات إدوارد هوبر وأبطال الفيلم.
وبجانب آراء النقاد حول الفيلم ككل، فقد كانت هناك حالة من الإجماع الكبير حول التفوق الأدائي لكل من كيت بلانشيت و روني مارا اللتان كانتا مركز هذا الفيلم.