يكاد مسلسل " طريقي" يصل على مستوى السيناريو المكتوب والحوار إلى حد التكامل التام، والفضل كله للرائع تامر حبيب، القادر دائمًا على خلق شخصيات من لحم ودم وسرد حوار ممتع وشيق، وإن عابه فقط بعض الجمل العصرية التي لم تتداول في الفترة الزمنية ﻷحداث المسلسل.
تامر أيضًا بالغ في مشاهد غناء شيرين ولكنني أعطيه بعض العذر بسبب طبيعة الدور وطبيعة أداء البطلة وصوتها المبهر جدًا كالعادة في الغناء.. ملاحظة أخرى على تامر وهي القفز بأحداث المسلسل 10 سنوات مرة و5 سنوات تارة أخرى، وعدم عرض بعض الأحداث الهامة والمحورية مثل وفاة "أبو دليلة"، وكيف أصبحت "هدى" لا تدري ما حولها وإن كان قد تم تفسير ذلك في الجمل الحوارية.
العمل ليس الأول لشيرين، حيث قدمت تجربة سابقة غير ناجحة، ولكن التطور واضح وملحوظ في أدائها حتى داخل المسلسل نفسه ووصل إلى ذروته في النهاية وربما بسبب طبيعة الدور في أول 10 حلقات وصعوبة تمثيل دور المراهقة الصغيرة، لكن مع تقدم العمر أصبح أداء شيرين أقوى وأفضل كثيرًا، وكأنها شخصيتها الحقيقية.
باسل خياط "يحيى المنيسي"، بعد مشاهدة إحدى حلقات المسلسل على "يوتيوب" للهروب من الإعلانات، قررت أن أبحث في "جوجل" عن هذا الممثل السوري وصُدمت حقا عندما وجدت أن عمره 37 عامًا فقط! فكيف أدى تلك الشخصية المعقدة والصعبة بذلك الأداء المميز والوقور. ممثل صاحب إمكانيات رهيبة واختيار موفق جدا.
أما سوسن بدر "هدى"، فقدمت نظرات حادة قاسية حنونة صادمة متعالية مهزومة، انفعالاتها تجمع كل شيء، صاحبة أفضل أداء لهذا العام بدون مبالغة، وقدمت شخصية اﻷم، التي لا تستطيع أن تحبها ولا أن تكرهها ولا تملك غير التعاطف معها في النهاية.
وقدم محمود الجندي "سالم" أداء رائع معتاد للأب الطيب المغلوب على أمره، المُحب لابنته والداعم لها، فيما قدم محمد عادل "محمود"، صاحب الملامح المصرية اﻷصيلة، دور الأخ الطيب الجدع الشهم، وشكلت وفاته صدمة للجمهور، كما أبكاني في ظهوره اﻷخير لشيرين في النهاية.
أحمد فهمي "مروان"، يتطور من عمل لآخر، وتعد شخصية "مروان علوي" هي أفضل أدواره على الإطلاق، وجاءت أدوار ميس حمدان والطفلة نور نقطة أخرى لصالح المخرج محمد شاكر خضير، الذي وُفق للغاية في اختياراته للأبطال.
ياسمين صبري "نادية"، ليست فقط ممثلة جميلة لكنها ممثلة جيدة أيضًا، وقدمت دور الفتاة الشقية المنطلقة والمغرورة بجمالها، والتي يحبها الجميع لكنها لا تحب أحدًا ببراعة كبيرة، فيما تعد ندا موسى "ليلى"، ممثلة مختلفة جدًا ويكفي أن تنظر `ليها بعد وفاة خطيبها "محمود" وهي مذهولة غير مصدقة لما حدث، تلعثمها في الكلام في أول الحلقات وتعلقها بمحمود هو حقًا ما كان يحدث للبنات في ذلك العصر. إلى جانب أداء جاد وحضور مميز جدًا من محمد ممدوح "سيد"، الذي أجاد في دور الأخ الانتهازي السيء الخلق، ويبكيك أيضًا في نهاية المسلسل وتتعاطف معه رغم كل شيء أعتقد أن له مستقبل مبهر.
ثراء جبيل "سلوى" الفتاة الطيبة حد السذاجة، هي شابة موهوبة وكأنها تمثل منذ عشر سنوات أما خالد كمال "كرم المينا" فنظراته وملامحه اﻹجرامية البحتة تُظهر مدى اهتمامه بالشخصية.. ننتظر منه المزيد، وفي النهاية لم أر مسلسل مصري به كمية وجوه شابة مميزة مثل "طريقي".
الأغاني كانت على مستوي الحدث ولا عجب فقد شارك في صناعتها أسماء مثل أمير طعيمة و خالد عز و وليد سعد و نادر عبد الله.
وأظهر مهندس الديكور علي حسام، اهتمامًا رهيبًا بالتفاصيل ومجهود يذكر ويشكر عليه، وقد باءت كل محاولاتي للبحث عن أخطاء للديكور في الحقبات الزمنية المتتالية بالفشل. وبعيدًا عن براعته في الداخلي شكر خاص من القلب لمدير التصوير تيمور تيمور، فقد رأيت من خلاله في المشاهد الخارجي باﻹسكندرية زمان ما نحلم برؤيته حاليًا ولو ليوم واحد أخير.
أما المخرج المبدع محمد شاكر خضير فقد تحكم بشكل تام بكل خيوط المسلسل من الألف للياء. "طريقي" من وجهة نظري هو أفضل مسلسل مصري على مستوى السيناريو والحوار والأداء التمثيلي والديكور والتصوير والأغاني والإخراج في أخر 5 سنوات بدون مبالغة.