لم يكن من قبيل الصدفة أن تكون مشكلة الهجرة غير الشرعية واللجوء السياسي لأوروبا من أكثر المشاكل التي اهتمت بها السينما الأوروبية وأفلام الإنتاج المشترك على وجه الخصوص في السنوات الأخيرة، خاصة بعد سلسلة الثورات التي اجتاحت العالم العربي منذ عام 2011 وتصاعد الأمور في سوريا مما أدى إلى نشوب حرب أهلية عنيفة راح ضحيتها الآلاف ونزح بسببها ملايين السوريين، وذلك لأنها باتت من أكبر التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي برمته في السنوات الأخيرة وتضعه في اختبار بالغ الصعوبة.
ضمن قسم (مفترق طرق) في بانوراما الفيلم الأوروبي الذي يقوم بعرض مجموعة من الإنتاجات السينمائية المشتركة بين العالم العربي وأوروبا، عرض الفيلم الوثائقي الإيطالي الفلسطيني ( أنا مع العروسة) الذي عمل عليه كل من الشاعر الفلسطيني الحامل للجنسية الإيطالية خالد سليمان الناصري والصحافي الإيطالي جابريلا دل جراندا والمخرج والمونتير انتونيو أوجوليارو ليوثقوا من خلاله تجربة فريدة من نوعها قاموا من خلالها بمساعدة خمسة مهاجرين فلسطينيين وسوريين فارين من سوريا على الوصول إلى السويد للحصول على اللجوء السياسي في رحلة تستغرق 4 أيام بين الحدود الأوروبية، وذلك عن طريق إقامة حفل زفاف وتنقل الجميع بملابس الزفاف مما يسهل عليهم العبور من الحدود.
عامل الإثارة لا يتوقف على الفيلم فقط في حد ذاته، بل على طريقة صناعته كذلك، وكيفية جمع فريق العمل الذين جسدوا شخصيات ضيوف حفل الزفاف لكي يبدو الأمر مقنعًا، حتى أنهم شرحوا قصة صناعة الفيلم بأكملها عبر link، وهو الأمر الذي جعل من تجربة مشاهدته شيء ممتع للغاية، فحجم المخاطرة الكبير الذي يبذله الفريق بأكمله في سبيل إكمال المهمة حتى الوصول إلى خط النهاية دون مصادفة أية مفاجأت غير سارة يضيف أكثر إلى عامل الإثارة في الفيلم، خاصة أن أي فشل للمهمة سيؤدي بصناعه إلى السجن مباشرة.
كما لا يتعامل صناع الفيلم مع عملهم على أنه مجرد توثيق جاف للرحلة، بل يعملون بشكل كبير على تحويل الفيلم إلى شيء أقرب لأفلام الرحلات على الطريق Road-trip Movies، مما يكسر حدة وثائقيته كثيرًا ويجعله أقرب لكل المشاهدين، خاصة مع التنوع الفريد في محطات الرحلة التي يقوموا بها، حيث تأتي الانطلاقة من إيطاليا إلى فرنسا ثم إلى ألمانيا وبعدها الدنمارك وصولًا إلى السويد، وكل ذلك في أربعة أيام فحسب.
الفيلم كذلك محمل في جعبته بعشرات الحكايات الصغيرة التي تتدفق عبر كافة الحوارات الدائرة بين المهاجرين وأصدقائهم، حكايات عن بشاعات الحرب الأهلية والموت المجاني في عرض البحر في سبيل البحث عن وطن جديد ومصاعب الهجرة في أوروبا، وكلها تضاعف أكثر من قيمة الفيلم وتجعله أكثر قربًا للمشاهد ليتحول من مجرد رحلة للبحث عن وطن جديد إلى محاولة بداية جديدة تهون ولو بالنذر اليسير كل ما تم بذله في السابق.
لا يتوانى الفيلم أكثر من مرة عن إعلان موقفه المنحاز للانسان في مواجهة كل القوانين الجائرة والحدود الفاصلة التي تصعب أكثر فأكثر من حق الانسان في التنقل الذي يقره الإعلان العالمي لحقوق الانسان وكل المواثيق الدولية، لكنها على أرض الواقع لا تأثير لها في الحقيقة، وقد تبدى إعلان الموقف ذلك في أقصى تجلياته حينما سطرت الناشطة الفلسطينية الأصل تسنيم فريد التي قررت مساعدة المهاجرين مع بقية فريق الفيلم على الحائط قائلة: "السماء للكل، لا للحدود".