مع بداية شهر الصيام، بدأ سباق النجاح بين عدد من الأعمال المتنوعة، منها ما يستهدف رسم البسمة على وجوه المشاهدين، ومنها ما يسعى لمناقشة قضايا اجتماعية أو سياسية أو نفسية، وهناك ما يتسم بطابع الحركة والإثارة، وقليل يحمل في طياته أحداث رومانسية.
نظرا لضيق الوقت، وصعوبة مشاهدة جميع الأعمال أثناء الشهر الكريم، فضلت أن أنتقي عملًا واحدًا، أتابعه مع إلقاء نظرة على بعض الأعمال الأخرى إلى حين مشاهدتها بعد انتهاء رمضان.
وما كان منى إلا أن أختار "جراند أوتيل" ﻷسباب شخصية بحتة، تتمثل فى حبي الشديد للكاتب والأبطال كافة، وحبي للحقبة الزمنية الراقية التي تدور في فلكها الأحداث.
سؤال طُرح عليّ، بعد تعلقي بالعمل وانتظاري وترقبي لأحداثه يوميًا، ففضلت تأجيل الإجابة إلى نهاية رمضان، حتى أصبح على يقين منها، وحتى تصبح راقية كرقي العمل.
لكن أحداث الحلقتين العاشرة والحادية عشر، كان أكبر دافع لكتابة تلك السطور، فلم يعد في وسعي الانتظار أكثر للحديث عن تلك الحبكة الدرامية المحكمة، التي سرقت أنفاسي.
بداية، الطريقة التي تناول بها الكاتب الكبير "تامر حبيب" الأحداث لن تسمح لك بالتوقف عن المشاهدة، أو إغفال حلقة ﻷنه في نهاية كل حلقة، يربطك بخيط جديد ومثير، يجعلك تنتظر انقضاء الأربع وعشرين ساعة بكل شغف، لتعرف ما آلت إليه الأحداث، فبلا شك سلاسة العمل وانسيابيته، جعلت المشاهد يسافر عبر الزمن في رحلة مثيرة وجميلة تحتوي على حوار بسيط وشيق.
الأحداث تخلو من العمق، فهي لا تستهدف إرهاق عقلك في التفكير بقضايا عميقة ومؤلمة، لكنها تسعى ﻹمتاعك، وإثارة ذهنك، تسعى للرقي بعقلك، والتحليق بك بعيدًا عن الواقع الحالي الذي يؤدي إلى اضطراب حياتك وأفكارك.
ولأنه امتاز ببراعة السرد وصياغة الحوار ، فما كان غريبًا أن يكون الحوار جميلًا، يضحكك تارة، ويخطف أنفاسك تارة أخرى، وإن أتيح لي التعبير عما يدور في ذهني بدقة، لقلتُ أن تامر حبيب دائمًا يجمع بين أمرين عجاب، السلاسة والعمق، فهو بحوار بسيط وأحداث سلسة وغير مفتعلة، يجعل أثر العمل في قلبك عميقــًا جدًا.
كل عمل ناجح تكون كلمة السر وراءه أبطاله، فمهما كانت براعة الكتابة والإخراج، فلا بد من توافر فنانين على قدر عالِ من التميز؛ ليتمكنوا من التعبير عن الأحداث بطريقة تُشعرك أنهم خلعوا عباءة أنفسهم وارتدوا عباءة شخصيات العمل، وقد تجلت هذه المواصفات في "عباقرة" جراند أوتيل.
قد تكون الجميلة "أمينة خليل"، هي الأكثر تأثيرًا في قلبي من خلال دور "نازلي"، فقد طوعت كل مهاراتها لتحول "نازلي" من مجرد شخصية على ورق، إلى شخصية حقيقية تعيش بداخل مَنْ يتابعها، نظرات عينيها، طريقة سيرها، وطريقة كلامها، تعبير رائع عن هانم حقيقية، تحترم الآخرين، طيبة القلب وودودة، لكن أكثر مراحل البراعة كانت في نظرات عينيها الناطقة، ونبرة صوتها الرقيقة التي تظهر فقط أمام حبيبها "علي". لعل كلماتي لن توصل تقديري لعملها، ولن تعطيها حقها كاملًا، فهي تستحق الإشادة كاملة.
"علي"/ "فؤاد"، أو "أحمد الزهيري"، الفنان الكبير عمرو يوسف، بالفعل وصل إلى ذروة النضج الفني، فهو قام بتحويل أدائه من فتى أحلام جميع البنات، حيث الشاب الهادئ الرزين المحب والمجنون في "هيبتا"، إلى شاب فقير ومهذب الخلق وطيب الطباع، تعبيرات وجهه مليئة بالأدب والبراءة، تلمع عينيه حين يقابل حبيبته، وتمتلئ عيناه حزنـــًا وخوفـًا حين يفقد أخته، فقد استطاع أن يرفع من سقف توقعات الجميع بأدواره المتنوعة والبارزة.
ولعل بيت القصيد يكمن في عشقي لهذا الثنائي الكلاسيكي "علي ونازلي"، الذي أعاد للأذهان القصص الرومانسية الكلاسيكية، التي تم تناولها أكثر من مرة، ولكن تلك المرة كانت الأكثر براعة وقربًا لقلبي.
أدى "محمد ممدوح" دورًا لن تتمكن كلماتي من التعبير عنه، فهو يفوق التوقعات كل مرة، فهنا يقدم أداءًا مبهرًا، قريبًا للقلب، حيث الشاب المسكين، قليل الذكاء، أبيض القلب، الذي يعشق فتاة سيئة الطباع، والتي استطاعت الجميلة "دينا الشربيني" أن تجسد دورها البسيط بكل مرونة ودقة، فهي ممثلة مألوفة الوجه، تشعرك أنها قريبة من الواقع، لذا فهي تستطيع أن تقتحم قلبك، وتقنعك بدورها أيـًا كان.
يمكن اعتبار دور الفنانة "أنوشكا" ملحميـًا، فهي بارعة في تمثيل دور الهانم الجبارة، التي تستبيح كل شيء للحفاظ على إطار العائلة والقوة والثروة، ويعاونها على ذلك "مراد" أحمد داوّد، الذي لا يمكن أبدًا أن تكرهه إلا في ذلك الدور، فهو رجل بوهيمي، لا يهتم سوى بشهواته ونزواته، ولا يحسب حساب لأي شيء آخر، فهو على استعداد تام لإنهاء حياة أي شخص يقف أمام نجاحه، تمامـًا مثل "قسمت هانم".
قبل أن أنهي إجابتي، فالست "سكينة" السيدة الصارمة، التي بدأت تتضح ملامح طيبتها وأسباب قسوتها، فقد تعرضت لجرح كان السبب في صلابتها وحدتها، حتى قابلت "صديق" الذي -بالطبع- سيعيد لها بهجتها ورونقها.
جمال الأداء من الكبيرة "سوسن بدر"، والكبير " محمود البزاوي" يجعلك تنتظر مشاهدهما؛ لتبتسم على حواراتهما المشاكسة.
من الجميل أن قصة العمل ليست مقتصرة على الدراما أو الإثارة والجريمة أو حتى الرومانسية، بل امتدت لتشمل حكايات من قلب الفندق، بين القمة والقاع، والذي لا يفرقهم إلى فريقين الثراء والفقر بل الخير والشر.
العمل الناجح هو ما يضم عدة مقومات ناجحة، من موسيقى وأزياء وبراعة كتابة وعظمة تمثيل، لذا بكل بساطة العمل الناجح هو "جراند أوتيل" .