(تحذير، هذا المقال يحتوي على كشف لبعض أحداث الفيلم)
10Cloverfield Lane هو تجربة سينمائية فريدة من نوعها لا مثيل لها، فيلم خيال علمي مفاجئ للجمهور ملئ بالإثارة والغموض ومغلف بجنون الشك وحب الاستطلاع، يسبب التوتر ويحبس الأنفاس، يأخذك في رحلة مثل قطار الملاهي الذى يمر بمنحنيات خطيرة ويبقيك على حافة مقعدك من فرط الإثارة. ستجد نفسك مسحوبًا في الاستغراق مع قصة الشخصيات الثلاثة، لن تستطيع أن تعرف من تصدق أو بمن تثق ولن تستطيع أن تعرف إذا كان أي منهم سيقوم بفعل أي شيء غير متوقع.
وقبل أن أبدأ لابد أن أوضح أنه من المستحيل الحديث عن الفيلم بدون التطرق إلى تفاصيل رئيسية يمكن اعتبارها حرق لأحداث الفيلم لذلك أنصحك بمشاهدة الفيلم الآن وبأقل معلومات ممكنة، أيضاً لا يهم إذا لم تشاهد فيلم Cloverfield الذي تم إنتاجه في عام 2008 وإذا كنت قد شاهدته فأنصحك بأن تنساه تمامًا حتى تتمكن من الاستمتاع بالفيلم موضوع المراجعة فهو مستقل تمامًا وليس له أي علاقة من قريب أو بعيد مع فيلم 2008.
مقدمة تشويقية ومزعجة استهل بها الفيلم أحداثه عن طريق ميشيل التي تلعب دورها النجمة ماري اليزابيث والتي تهجر حبيبها وتقود سيارتها بعيدًا لتتعرض لحادث سير، وعندما تستعيد وعيها تجد نفسها مكبلة بالسلاسل في قبو منزل يملكه شخص يدعى هوارد الذي يلعب دوره النجم جون جودمان الذي ادعى بأنه كان عليه أن ينقذها من هجوم مروع لوث الهواء على سطح الأرض وجعل من العالم الخارجي غير صالح للحياة، ولذلك لا يمكنها الخروج من المنزل، هل اختطفها أم هو بالفعل يساعدها؟ هل هناك بالفعل مشكلة بالخارج أم أن هذا الشخص مجرد معتوه؟
في كلا الحالتين يجب على ميشيل أن تكتشف ماذا يحدث بالخارج، ولكن قبل أن أخوض أكثر في تلك المراجعة لابد أن أتطرق إلى الحديث عن فيلم Cloverfield الذي تم إنتاجه في عام 2008 وعلاقته بالفيلم الذي نتحدث عنه.
Cloverfield في عام 2008، تم تصويره بكاميرا يدوية لمجموعة أصدقاء يعيشون في مدينة نيويورك التي تعرضت لهجوم من كائنات فضائية كان مثالًا عبقريًا عن كيفية تسويق الفيلم بشكل جيد يمنحه الضجة التي يحتاجها ليضمن ترتيب جيد بين أفلام الـ Box Office.
أذكر أنه عندما تم إطلاق إعلان الفيلم الذى لم يكشف إلا عن لقطات من الحفل الذى يقيمه هؤلاء الأصدقاء وبداية الهجوم بدون أي مشاهد للكائنات الفضائية، والأغرب أن الإعلان لم يقم حتى بذكر اسم الفيلم تاركًا المشاهدين في حيرة من أمرهم يبحثون في عالم الإنترنت عن مواقع تقودهم إلى أي معلومات عن الفيلم دون جدوى، حتى تاريخ إطلاق الفيلم فقط كل ما تم ذكره في الإعلان التشويقي أن الفيلم من إنتاج ملك الإثارة جيه جيه إبرامز الذي استطاع أن يقوم بالتسويق عن تحفته الجديدة هذا العام بطريقة ماهرة أيضاً حيث قام بالكشف عن فيلم 10Cloverfield Lane قبل موعد إطلاقه بشهرين فقط مصرحًا بأن الفيلم ينتمي لعالم Cloverfield بشكل روحاني ولكنه بالتأكيد ليس جزءًا ثانيًا من فيلم 2008، فالتصوير لم يكن بكاميرا يدوية وطاقم العمل مختلف تمامًا، والقصة ليس لها علاقة، وهذا بالتحديد ما كشف عنه الإعلان الغامض للفيلم الجديد والذي خدعنا في بدايته أيضًا، عندما أظهر ثلاثة أشخاص يعيشون في منزل واحد في انسجام تام يلعبون ويمرحون قبل أن ينتهي الإعلان بلقطة يبدو أنها كانت محاولة هروب من ميشيل قبل أن يصرخ فيها هوارد محذرًا إياها "لا تفتحي الباب ستقتليننا جميعًا"، الغريب في الأمر هنا أنه لا يوجد أحد من طاقم التمثيل عندما قاموا بتصوير الفيلم كان يعلم باسم الفيلم الحقيقي أو عن انتمائه لعالم Cloverfield معتقدين أن الفيلم سيخرج للجمهور تحت اسم Valencia وكل هذا كان من تخطيط الداهية جي جي إبرامز حتى أن الممثل جون جالاجر جونيور. علم بأنه مشارك في فيلم تحت عنوان 10Cloverfield Lane، فقط من أخته عندما قامت بتوبيخه على عدم إعلامها بمشاركته في هذا الفيلم عن طريق اتصال هاتفي!!!
وجهة نظر عظيمة تستحق الاحترام من جيه جيه إبرامز فهو من خلال تصريحاته يتطلع إلى تكوين مجموعة من الأفلام المختلفة تحت مظلة واحدة وهي مظلة Cloverfield فما الفائدة من أن تشاهد جزءًا ثانيًا لنفس العمل متوقِعًا تقريبًا ما ستشاهده.بالفعل لا يوجد أي قواسم مشتركة مباشرة بين الفيلمين باستثناء عالم الوحوش الذي تشعر بأنه تم فرضه على نهاية فيلم هذا العام بشكل إجباري حتى يتم ربطه فقط بفيلم 2008 وبالرغم من أن 10Cloverfield Lane هو فيلم رعب نفسى في المقام الأول، متضمنًا مشهد خيال علمي صغير، ولكن هذا المشهد جلب العديد من التقارير السيئة التي اعتبرته خارج إطار الفيلم وليس له محل من الإعراب ولكن شخصيًا أعجبتني النهاية لأنها غير متوقعة بالنسبة لتلك النوعية من الأفلام كما أنها كانت منتظرة بشكل كبير نظرًا لعنوان الفيلم ولا تعتقد بأن مشاكل ميشيل بدأت عند هوارد فقط وستنتهى عندما تهرب منه فبعد أن تلقت معلومات مريبة بمخاطر جسيمة خارج المنزل ستهدد حياتها إذا هربت فهي أيضًا لم تكن حياتها مستقرة مع ذلك المختل عقليًا الذى كان يتعامل معها بطريقة تعسفية مريبة لذلك كان لابد من الهرب لمواجهة العالم الخارجي بشكل مباشر، وبالفعل هربت ميشيل من المنزل، وفي البداية كانت خائفة قليلًا ثم عندما شعرت بعدم وجود أي تهديدات أزالت عن وجهها القناع الذى يحميها من الغاز معتقدة أن هوارد كان يكذب عليها بشأن الهواء الملوث، وقتها انتابني شعور بأن الفيلم في طريقه لنهاية مريحة لميشيل بانتهاء كل مشاكلها ولكننى كنت سأراها نهاية سطحية لن تأتى لنا بجديد وكانت ستعنى أن ميشيل كانت في فيلم رعب اعتدنا عليه كثيرًا لقاتل محترف أو معتوه يفعل أمورًا بشكل تحكمي، كما أن هذا لم يكن ليحافظ على المقصد الحقيقي لوضع مثل هذا العنوان، ولكنها في نهاية الأمر وجدت تهديد أخر جديد بانتظارها ألا وهو الكائنات الفضائية.
هناك العديد من الأمور المتعلقة، والأسئلة غير المجاب عنها بالفيلم فمثلًا كل ما شاهدناه في بداية الفيلم من منظور ميشيل بأنها كانت تهرب من صديقها "بن" الذي لعب دوره صوتيًا النجم برادلي كوبر لمدة دقيقة واحدة فقط تاركة خلفها مفاتيح يبدو بأنها مفاتيح المنزل الذى يعيشان فيه سويًا، وخاتم يبدو أنه الخاتم الذى يربطهما، ولكن لم يتم توضيح سبب الهروب ولم يتم توضيح إلى أين تتجه ميشيل عندما كانت تقود سيارتها بعيدًا عن المدينة، واستطاع الفيلم بطريقة ما أن يحافظ على أن تكون هذه المعلومات لغزًا مبهمًا منذ البداية. وحتى نهاية أحداث الفيلم أيضًا كان هناك الغموض الكبير المحيط بشخصية هوارد، الشخصية التي كانت سببًا في زيادة شعبية الفيلم لدى الجمهور، فعندما تنتهي من مشاهدة الفيلم لن تكون متأكدًا إذا كان مجرمًا أم شخصًا طيبًا، حتى بعد أن تعلم بأنه كان محقًا بشأن اختبائه في القبو خوفًا مما يحدث في العالم الخارجي، أيضًا الشخصية الثالثة بالقبو وهو "إيميت" الذي كان يلعب دوره النجم جون جالاجر جونيور. والذي استأجره هوارد ليساعده في بناء القبو وكان يصدقه ويدعم رأيه بخصوص ما يحدث في الخارج، فقط بسبب أن هوارد أخبره بذلك قبل أن ينقلب رأيه رأسًا على عقب بعد أن تشارك مع ميشيل بعض المعلومات حول أن الصورة الفوتوغرافية لابنة هوارد والتي يظهرها دائمًا بفخر، هي في الحقيقة ليست صورة ابنته وإنما صورة لفتاة مفقودة معتقدين بأنه قام باختطافها وقتلها، ومنذ تلك اللحظة كان يبدو أن هوارد يخفي أسرارًا بشعة في الظلام، ولكنها جميعًا مبنية على أقوال، والسؤال هنا مَنْ هي هذه الفتاة؟ وهل بالفعل قتلها هوارد؟
في مكان صغير و محدود مثل هذا القبو يعيش فيه 3 شخصيات فقط مما أتاح للفيلم استكشاف الشخصيات وتجسيد التفاصيل المثيرة بشكل جيد ليتخيل المشاهد نفسه في نفس الظروف، متسائلًا بدون تفكير: ماذا أستطيع أن أفعل في مثل هذا الموقف؟أداء لا يمكن وصفه بكلمات للنجم جون جودمان فهو بالتأكيد جوهر الفيلم وسر نجاحه، إنه مخيف أكثر من الوحوش، المشاعر المتباينة التي يجعلك تشعر بها توضح لنا موهبته وإمكانياته الكبيرة في عالم التمثيل التي تجبرك على تصديقه و التفاعل معه، لقد كان الرجل المناسب في المكان المناسب و لا أعتقد أنه يوجد ممثل يستطيع أداء دور "هوارد" أفضل منه.
اختيار ممتاز وفي محله أيضًا للنجمة ماري إليزابيث وينستد التي قامت بأفضل أداء لها على الإطلاق، فقد كانت تتسم بقوة وصلابة الشخصية، ترفض أن تكون ضحية وتستطيع مواجهة مشاكلها بذكاء ومهارة، لم أر آمالها تتبدد أو تنتظر شخصـًا ما يأتي لإنقاذها، ولم أجدها تبكي أو تصرخ أو تستغيث مثلما نشاهد في أفلام الرعب الأخرى، حتى عندما قام "هوارد" بقتل إيميت تماسكت تمامًا ولم تنهار. مما سمح لها أن تكون شديدة التركيز، تحاول جاهدة الهروب بأي وسيلة، وقد ظهر ذلك جليًا عندما قامت باستخدام حيلة تجميد قبضة الباب باستخدام الهواء المضغوط ضد هوارد بعد أن علمها كيف كان يستخدمها ضد مديره في البحرية، أما عن جون جالاجر الذي أعتقد أنه لم يكن اختيارًا جيدًا بنفس مقدار جودمان ووينستد، لكنه استطاع أن يقدم أداءًا طيبًا إلى حد كبير مضيفًا بعضًا من الخفة والمرح إلى هذا الفيلم المرعب.
قصة الفيلم مقتبسة من رواية تُدعى The cellar كتبت بواسطة جوش كامبل وماثيو ستوكن وتم إعادة صياغة السيناريو عن طريق العبقري داميان شازيل صاحب العقل المدبر لفيلم Whisplash أيضًا.
إنجاز مذهل للمخرج في أول أعماله، إذ استطاع بامتياز أن يصمم مناخًا رائعًا من القلق والشعور بالخوف، لم يستطع أن يقدمه مخرجون لديهم سنوات وسنوات من الخبرة، لذلك أتطلع وبشدة لما سيقدمه لنا في المستقبل.
عمومًا، الفيلم جيد للمشاهدة والاستمتاع والتفكير، والقصة مثيرة جدًا وتتميز بالعديد من الحيل والمراوغات. لقد لعبت دور المحقق الخاص طوال أحداث الفيلم، وعندما كنت أعتقد أنه تم حل العقدة، يبدأون في تضليلي مرة أخرى.