من جديد، وفي نفس العام، يتجدد الجدال وتشتد نبرته بين المخلصين المحبين لقصص "دي سي" المصورة، ومنتقدي اﻷفلام التي يقدمها عالم "دي سي" السينمائي في محاولة دؤوبة لمنافسة عالم "مارفل" السينمائي، فبعد أشهر قليلة جدًا من إطلاق Batman v Superman: Dawn of Justice، الذي أثار انقسام حاد في اﻵراء بين من أحبه بدافع ولعه بالقصص المصورة اﻷصلية ومن أحبط من الناتج النهائي للفيلم، نصل لنفس الحالة بحذافيرها مع ثاني أكثر فيلم منتظر من عالم "دي سي" لهذا العام Suicide Squad.
حسنًا، لن يكون هدفنا هنا في هذا المقال هو المقارنة بين القصص المصورة اﻷصلية وبين اقتباسها السينمائي والانحياز ﻷحدهما على حساب اﻵخر، فلهذا مجال آخر من الحديث لا يكتمل إلا بقراءة السلسلة المصورة، وإنما سيقتصر التحليل هنا على النتيجة النهائية التي شهدناها على الشاشة من خلال الفيلم.
لنبدأ بطريقة تعريف المشاهد بفريق Suicide Squad، هنا يختار الكاتب والمخرج ديفيد آير في مستهل الفيلم أول وأسهل طريقة يمكن أن ترد لذهن أي كاتب سيناريو مبتدئ ولا تحتاج للكثير من الجهد، حيث يمكن بكل بساطة رص كل المعلومات المتاحة بطريقة جافة عن الشخصية المراد تقديمها مع دعمها بصورة شخصية وقائمة بما يحب وما يكره ونقاط القوة والضعف بدلًا من زرعها دراميًا في اﻷحداث.
تتبدّى كارثية هذا التعريف أكثر مع ملاحظة طريقة مونتاجها وتوليفها على شريط الصورة، ربع ساعة كاملة من السيمترية (التماثل) في التنقل، حيث نرى فيها أماندا والر، وهي جالسة على مائدة المطعم لتبدأ في سرد حياة أحد أعضاء الفريق، مع وضع صورته ومعلوماته على الشاشة ثم الانتقال إلى فلاش باك طويل عن الشخصية ثم يعود الفيلم ﻷماندا مرة ثانية لتنتقل إلى شخصية أخرى ومن ثم لفلاش باك آخر.. وهكذا.
وبما أننا في سياق الحديث عن طريقة التعريف بالشخصيات، هل كان من الكافي بالنسبة للكاتب والمخرج أن يضع خمسمائة خط تحت كلمة "شرير" داخل الفيلم دون أية رؤية لما يوازي هذا اﻷمر دراميًا من خلال تصرفات أعضاء الفريق، هل كان من الكافي أن نرى اﻷبطال وهم يصفون أنفسهم باﻷشرار في كل حوارات الفيلم، بينما كانت تصرفاتهم لا تختلف كثيرًا عن تصرفات أي سجين عادي، أو أن ينعتهم كل من أماندا والر وكابتن ريك فلاج طوال الوقت بالشر، أو أن يخوضوا حوارات كاملة عن فلسفة الشر ونسبيته؟ كنت طوال الوقت خلال المشاهدة لا تفارق آذاني أغنية أحمد سعد: "سألت نفسي كتير ما رسيتش يوم على بر، أنا اللي فيا الخير ولأ اللي فيا شر، ولا أنا جوايا ومش داري الاثنين في بعض".
وما دام التعريف بالشخصيات بهذه السهولة، فما المانع من خلق قصة حب بدون مقدمات كافية بين "هارلي كوين" و"الجوكر" حتى مع عدم مراعاة الاختلافات الشخصية بينهما، لتتحول بقدرة قادر من طبيبة نفسية إلى مجرمة، أو أن يتحول "ريك فلاج" القاسي طوال الوقت إلى شخص رقيق ومهذب في التعامل مع الفرقة الانتحارية فور انكشاف سر المهمة بطريقة بالغة الحماقة، حيث كانت أماندا تحتفظ بنسخة من "المخطط السري" معها في الطائرة ليقع بكل بساطة في يد ديدشوت!
وبما أنه لا يُعول على الفيلم كثيرًا في رسم الشخصيات دراميًا بدون الحاجة أصلًا للحديث عن سذاجة "التويست" الذي قامت المهمة برمتها على أساسه، يتم الاعتماد من هنا وبشكل شبه كلي على جاذبية طريقة أداء الشخصيات وتقديمها للمشاهد من خلال الممثلين أكثر من كيفية تقديمها على الورق أو الاهتمام بدوافعها ونوازعها، لكن حتى هذا الجانب لا ينطبق -للأسف- على الجميع.
من الواضح أن صناع الفيلم ومن قبلهم صناع السلسلة المصورة كانوا مشغولون بالكثرة العددية للفريق أكثر من فاعلية تواجدهم داخل الفريق، لو كان هذا الفريق عبارة عن شخصين أو حتى 20 شخصًا فلن يشكل ذلك أي فارق على اﻹطلاق، فأكثر من كانوا فاعلين من بينهم طوال اﻷحداث كانوا اثنان أو ثلاثة على أقصى تقدير، والبقية كانوا مجرد "كمالة عدد" قد ينحصر دور أحدهم في أن يكون مادة دسمة للسخرية من هيئته الشكلية مثل "كيلر كروك" أو أن يكتفي بترديد عبارات سمجة مثل "كابتن بمرنج".
لذا إذا كان المشاهد سيبقى في باله أي شيء بعد الخروج من قاعة العرض، فلن يأتي في باله سوى ويل سميث ومارجو روبي، فاﻷول يركن إلى خبرة طويلة في التمثيل جعلت ما يقدمه جديرًا بالمتابعة حتى مع التقليدية الشديدة في رسم شخصية "ديدشوت" على الورق ونمطية الدوافع المحركة لها.
أما مارجو روبي، فكانت شخصية "هارلي كوين" امتحان حقيقي لإمكانياتها التمثيلية، وكانت في حاجة لمجهود ضخم من خلال هذه الشخصية لتثبت للجميع أنها تملك ما هو أكثر من مجرد وجه حسن وقوام جسدي جذاب، لتنجح بالفعل بشكل ساحق في هذا الاختبار العصيب، حيث تسكن "هارلي كوين" كيانها بالكامل وتستخرج ما يمكن تقديمه في القصص المصورة ويصعب تجسيده على الشاشة إلى شيء ملموس جدًا، لتنجح في كل مشهد تظهر فيه في لفت اﻷنظار وسرقة الكاميرا من جميع ممن حولها، كما أنها كانت تخرج كل طرفة وكل جملة حوارية في توقيتها المناسب دون افتعال وتحدث تأثيرها المطلوب، بل وحتى تفوقت بقوة على الجميع بمن فيهم سميث نفسه وباتت هي صاحبة اﻷداء اﻷفضل في الفيلم، أمر يشبه ما فعله هيث ليدجر في The Dark Knight في ظل تقليدية معظم أداءات زملائه.
ولكن، ماذا عن الجوكر؟ ألم يكن هو صاحب نصيب اﻷسد في الدعاية لوجوده ضمن هذا الفيلم، ألم نظل في شوق طويل لرؤيته من جديد بعد كل هذا الكم الهائل من الصور له بأداء جاريد ليتو؟ ألم نتساءل ليل نهار إذا كان سيكمل ميراث جاك نيكلسون وهيث ليدجر؟ بأي ألاعيب سيذهلنا طوال الفيلم؟
لكل من انتظروا عودة الجوكر، يؤسفني أن أحمل إليكم أخبارًا سيئة، كان ظهور الجوكر في الفيلم ظهورًا شرفيًا، وكأنه قد مر بالصدفة بجانب موقع التصوير، فقرروا أن يسندوا له الدور إكرامًا لزيارته لهم، مشاهده في الفيلم لا تتجاوز سوى عشر دقائق تقريبًا من مدة الفيلم، ونصف مشاهده لا علاقة لها من قريب أو من بعيد أصلًا بقصة الفيلم وكأنها كانت نباتات طفيلية وفدت للفيلم عن طريق الخطأ، والنصف اﻵخر مرتبط بعلاقة حبه مع هارلي كوين.
إسناد مسؤولية أداء الجوكر إلى جاريد ليتو كان من أسوأ القرارات التي خرجت من القائمين على عالم دي سي السينمائي حتى اﻵن، والأسوأ من ذلك أننا سنراه في أفلام أخرى ضمن هذا العالم، فجاريد يقدم كل تفاصيل الجوكر من السطح وكما تبدو للجميع مما جعل أداءه فارغًا ومصطنعًا، وحتى مثيرًا للسخرية حينما يحاول أن يكون مخيفًا للمشاهد مثل المشهد الذي يقوم فيه بالشخير في وجه الرجل الذي يحتجزه أو حين يحدق في عين أحد غرمائه، كما يصير مثير للشفقة بفضل نبرة صوته أحادية النبرة.
ومثلما حدث مع Batman V Superman، لم ينجح Suicide Squad حتى في الاستفادة من قتامة وسوادوية أجواء القصص المصورة لدي سي أو استثمارها لمنح نكهة مُفتقدة بشدة في هذه النوعية من اﻷفلام، أو تقديم شيء يبحث عما هو أبعد من السطح، وعدم الاكتفاء بمجرد سب الشركة المنافسة مارفل التي توصل على اﻷقل في أفلام عالمها السينمائي الوظيفة اﻷولية لها بكفاءة، وهي التسلية مع حد أدنى من الجودة الفنية.