"زي عود الكبريت".. الطفل يعبث بما يصادفه في مكتب أبيه

  • نقد
  • 11:08 صباحًا - 7 سبتمبر 2016
  • 1 صورة



زي عود الكبريت

بالطبع أنا لا أقصد كلمة "يعبث" المذكورة في عنوان المقال بالمعنى السيء لها إطلاقًا، الذي يجنح نحو تخريب ما هو كائن بالفعل، وإنما أقصدها بالمعنى اﻹيجابي الخلاق لها الذي ينطلق باﻷساس من إعادة التخيل في ما هو موجود بالفعل والخروج بنتيجة مختلفة منه، وهو اﻷمر الذي يجيد فعله اﻷبناء اﻷذكياء حينما تسنح لهم الفرصة كاملة للتعبير عن ذلك.

أعتقد أن هذه الروح العاشقة للعب والتجربة الخالية من حسابات المكسب والخسارة هي التي كانت تحرك الفنان الراحل حسين الإمام دومًا في كل مرة سواء في السينما أو الموسيقى أو التليفزيون، وحتى مع عدم النجاح التجاري الذي صادف تجاربه في التأليف واﻹنتاج من خلال فيلمي أشيك واد في روكسي وكذلك في الزمالك، فإن ذلك لم يثنيه عن إعادة الكرة للمرة الثالثة مع إضافة التصدي للإخراج من خلال آخر أعماله زي عود الكبريت.

يختار حسين اﻹمام لعمله اﻷخير فكرة بالغة البساطة تسمح له باللعب فكًا وتركيبًا مثلما يحدث مع مكعبات الليجو، حيث يكتب حكاية كوميدية من لديه ويمزجها بما يوافق قصته دراميًا وكوميديًا مع مقاطع مختارة بعناية من خمسة أفلام لوالده المخرج الراحل حسن الإمام، لينتج عن هذا المزج بين الحكاية الجديدة والمقاطع القديمة نتيجة مختلفة تمامًا عما كانت عليه هذه المقاطع القادمة من أفلام قد يكون بعضها مفرطًا في جنوحه للميلودراما كعادة السينما خلال هذه الحقبة.

لا يعتمد حسين اﻹمام في قصته الساخرة تلك على أفلام والده التي وقع الاختيار عليها فقط ﻷغراض فيلمه "زي عود الكبريت"، وإنما ينتقي العديد من العناصر الحكائية اﻷخرى التي تشعل لهيب جرعة السخرية التي لا تنتهي من الفيلم، فيختار بشكل واعي أن يبدأ رحلة كفاحه نحو تجارة المخدرات بطريقة أشبه لما تعرض له حسن الهلالي "أنور وجدي" في فيلمه "أمير الانتقام"، كما يستخدم فيلم "الرجل الثاني" في الكثير من مناحي القصة، بل إنه يمنح اسم "زكي بشكها" التي تعود لواحدة من أشهر شخصيات استيفان روستي وأطرفها إلى إحدى الشخصيات المساعدة.

وتماشيًا مع روح الفيلم، يرفع حسين اﻹمام كل الفواصل بين فكرة تقديم تحية سينمائية Tribute لسينما حقبة الخمسينات التي ساهم والده في وضع الكثير من أساساتها وأعمدتها الفنية، وبين السخرية في اﻷساس من عدد كبير من الأنماط والقوالب الفنية التي سيطرت على أفلام هذه الفترة، حتى أنه يفتتح الفيلم وهو يكتب مذكراته على إضاءة منخفضة ونستمع لما يكتبه على شريط الصوت مع صبغ المقدمة بصبغة تسجيلية غير حقيقية Mockumentary، وهذا الجمع بين هدفي تقديم التحية والسخرية في آن واحد يشبه كثيرًا التركيبة الفنية للفيلم الموسيقى الشهير The Rocky Horror Picture Show حتى مع اختلاف طبيعة كلا الفيلمين.

وبشكل مقصود وواعي، يتعمد حسين اﻹمام الحفاظ على الكثير من ملامح شخصيته داخل الفيلم بدون التوحد بشكل كامل مع شخصية "وحيد عزت"، التي ابتكرها لنفسه في الفيلم، إمعانًا في توصيل فكرة قيامه باللعب، ويقطع سرد الفيلم أكثر من مرة طالبًا الجيتار ليمضي في غناء أغانيه بطريقته المميزة، وحتى اختياره من جديد لـسحر رامي لتكون شريكة البطولة يحمل تداخل مقصود بين كونها شريكة تجاربه الفنية وزوجته في آن واحد.

وعلى قدر بساطة فكرة الفيلم، تتجلى هذه البساطة كذلك في طريقة تنفيذه إخراجيًا التي تركن في اﻷساس إلى عمليات بسيطة للغاية، كمثل انتقاء زوايا التصوير بما يتوافق مع اللقطات المختارة من أفلام حسين اﻹمام باﻹضافة إلى عدد من الحيل المونتاجية اﻷساسية التي تحافظ على القصة كما أراد لها حسين اﻹمام أن تظهر على الشاشة.

وعلى شاكلة كل ما قدمه حسين اﻹمام في مسيرته الفنية، فإن الفيلم لا يدعى لنفسه أي شيء أبعد من تقديم تجربة طريفة وخفيفة الظل وتتفق تمامًا مع ما يحبه ويرغب في تقديمه، وهو ما ينجح في الوصول مباشرة لكل من شاهد الفيلم.



تعليقات