الماء والخُضرة والوجه الحسن: النسويّة بعين يُسري نصر الله

  • نقد
  • 07:45 مساءً - 9 سبتمبر 2016
  • 1 صورة



الماء والخُضرة والوجه الحسن

اختار يسري نصر الله تسمية فيلمه "الماء والخضرة والوجه الحسن" وهو اختيار موفّق لأن الفيلم حقًا مليء بماء وخضرة ووجوه حسنة، إلا أن القبح له مكان في الفيلم لا تستطيع أن تغض بصرك عنه، والقبح على وجوده، مختبيء داخل قوالب جميلة. على الرغم من ألوان الفيلم الزاهية إلا أنك لا تشعر بالبهجة لرؤيتها، على الرغم من جمال الديكور، أنت لا تشعر بالجمال بالنظر للبيوت، شئ مزيّف يملأ كل شيء في البلدة الصغيرة التي تدور فيها الأحداث، شئ غير جميل يمر في علاقات الشخصيات ببعضها جعلت من الجمال الموجود باسم الفيلم شيء مثير للسخرية أكثر من كونه معبرًا عن الفيلم. الفيلم يدور حول اختلاف يصل لعداوة مستترة بين عائلة الطبّاخ وعائلة أبو ريّة، الأولى باعتبارها الطبقة الفقيرة، والثانية باعتبارها الطبقة الغنيّة، والفقر والغنى هنا لا يعبر فقط عن مجموع الأموال التي يحتكم عليها كلًا من العائلتين بل بكل ما هو متعارف عليه من معالم الطبقات الفقيرة والغنية، فالفقير في الفيلم نجده نزيه ومحبب إلى النفس ويقدس العائلة ويعرف كيف يكون صديق جيد، أما الغني في الفيلم فنجده غليظ القلب، عائلته مفككة، أساليبه خبيثة، ولا يعرف معنى الصداقة.

الجمال والقُبح يجتمعان أحيانًا

على الرغم من ظهور الجمال بوفرة في عائلة الطباخ فنجد حتى العلاقات بين نساء العائلة ورجالها جميلة ومبهجة، إلا أنها لا تخلو من مظاهر قبح، فجلال الطباخ على سبيل المثال لا يجد حرج في ممارسة الجنس مع سيدة متزوجة، ويحيى الطباخ الذي رفض بدوره إقامة علاقة مع نفس السيدة المتزوجة سنجده في منزل راقصة يبدو من حواره معها أن علاقتهم تمتد إلى زمن بعيد، حتى أبوهم الذي يحاول الوعظ فيهم مرارًا وتكرارًا، في النهاية سنجده يتعاطى المنشط الجنسي ليستغل احتياج أم لعلبة مربى تطعم بها إبنها المشتاق للحلوى.

على النقيض الآخر بالنظر إلى عائلة أبو رية، فحتى منزلهم قبيح، أثاثهم فخم ولكنه قبيح، ملابسهم غالية ولكنها قميئة، إلا أن الجمال لم يهجرهم بالكامل، فمن تلك العائلة خرجت "فاتن" تلك الفتاة العفوية المستعدة للتضحية بكل شئ في سبيل نجاح قصة حبها، وحتى "رقية" بالرغم من هامشية دورها فهي ستكون من أسباب قيام الثورة في نهاية الفيلم، أي أن الجمال والقبح حاضران في كلا العائلتين. الجدير بالذكر أن المخرج انحاز عائلة الطباخ أكثر من عائلة أبو رية، ولم يلق لوم على قبحهم مثلما فعل مع عائلة أبو رية لخلق حالة من الانحياز، بها يتعاطف المشاهد بالضرورة مع الثورة في النهاية.

النسويّة والذكورة في الفيلم

المرأة في الفيلم هي المرأة المثالية في خيال يسري نصر الله، فعلى الرغم من البيئة الفلاحة التي ترعرعوا جميعهم فيها نجدهم منطلقين وسعداء، وأهم من هذا أن كلامهم يتسم بالجرأة والاندفاع، فلا نتعجب عندما تقبّل "كريمة" شقيق خطيبها على الرغم من أنها في تلك اللحظة لم تكن قد اعترفت لخطيبها بعدم حبها له، ونجد "فاتن" تقدم على الزواج العرفي من حبيبها بكل جرأة وبدون أدنى نوع من أنواع التردد، حتى "شادية"، بالرغم من أنها لا تحمل نفس القدر من الجرأة لكن نظراتها لعوب وعيناها تفضحان ما بداخلها معظم الوقت، ولأن يسري نصر الله، نسويّ بامتياز، أي أنه مخرج يمقت الذكورة (ظهر ذلك بوضوح في فيلم احكي يا شهرزاد)، أظهر رجال عائلة الطباخ خالين من كل معالم الذكورة، وبنوع من الشهامة لا الخنوع، فعندما اعترفت "كريمة" لـ"يحيى" ـنها لا تحبه بل تعشق "جلال" أخوه، لم يثور أو ينفعل على عكس المتوقع، بل حاول أن يساعدها بكل الطرق، حتى عندما اكتشف "جلال" أن "كريمة" هي التي قبّلته لم ينفعل سوى لأنها خطيبة أخيه ومحرّمة عليه، ليس لمبدأ القبلة نفسه، وتتبلور نسويّة عائلة الطباخ في "يحيى" الذي سيشهد طواعية على عقد زواج عرفي بين "عاشور" و"فاتن"، ولاحقًا سيترك لهم غرفة ليتمموا الزواج فيها دون نبرة احتقار من أي نوع.

أما في المقابل، سنجد الذكورة متفشيّة في عائلة أبو رية، حتى في نسائهم المتمثلين في أم رقيّة (صابرين)، التي سترفض رقص ابنتها وسط باقي البنات في الفرح، ومقابل تفهّم عائلة الطباخ لزواج "فاتن" بـ"عاشور"، عرفي، على الرغم من رفضهم، ستحرض "أم رقية"، "فريد" على تعنيف أخته لأنها شعرت من بعيد أن بينهم علاقة عاطفية، وهو الشيء الذي سيفعله لاحقًا ليس مجرد تعنيفٍ، لكنه سيضربها ويقتل زوجها ويحبسها في المنزل للسيطرة على الأمر في أفعال ذكورية فجّة.

عيوب بسيطة لفيلم جميل

على الرغم من التمثيل المُتقن، والديكور المعبّر عن الطبقة، والملابس البارزة لشخصيات الفيلم، والأهم الأغاني والموسيقى الممتعين، حتى تلك الأغاني الشعبية التي يتراقص عليها البنات في الفرح، إلا أن وجود راوي كان ليصبح الاختيار الأفضل، حيث أنه من غير المنطقي أن يُقتطع الفيلم في المنتصف لنستمع لـ"عم مرقص" يروي تاريخ العائلتين ونحن في تلك اللحظة لم نكن قد استوعبنا وضع الشخصيات أصلًا. كنت سأصاب بسعادة بالغة لو انتهى الفيلم بذلك المشهد، كلهم في الحقل تحت تأثير الحشيش في القهوة، كلًا في حضن حبيبه، كما لو أن السعادة نصل لها فقط في غير وعينا، كتعبير عن واقعية الحياة، لأن كل شيء بعد هذا المشهد كان مبالغ فيه، وإن كان بإمكاننا وصفه بـ"حالم"، فكرة الثأر والثورة، جاءت بشكل ساذج وحتى واقعيًا مستحيل، مثلًا عندما تم القبض على "فريد" في النهاية، من أين جاءت عربة البوليس؟ وهل الاحتكام للسلطة متمثلة في المحافظ في النهاية كان هو الحل الأمثل لمشكلة الطبقية تلك؟، مع الوضع في الاعتبار أن ذلك المحافظ كان هو وحرمه منتميان للطبقة الغنية في المشهد الأول، أسئلة كثيرة انتابتني وأنا أشاهد الفيلم وهو في قمة جماله يتراجع لتلك النهاية الضحلة.

تلك العيوب إذًا التي غابت، كانت لتصنع من فيلم "الماء والخضرة والوجه الحسن" فيلمًا ممتازًا، إلا أنه على عيوبه كان فيلم جيد، مليء بلحظات مؤثرة وأخرى مضحكة، وهو على عكس أفلام عائلة السبكي، كان به عناصر فنيّة كافية لنفي صفة "الرُخص والابتذال" عنه، وكان ممتع بالدرجة الكافية لنفي صفة "الجدية والملل" عنه، إذ يمكننا التغاضي عن عيوبه بوضعنا في الاعتبار أن يسري نصر الله، أخذ التحدي الأصعب بصنع فيلم تجاري دون التخلي عن رؤيته كمخرج، في النهاية كان الفيلم ممتعًا بأغانيه التي تم توظيفها بشكل جيّد، فهنيئًا يسري نصر الله.



تعليقات