(تحذير: هذا المقال، قد يتضمن كشفًا لبعض أحداث الفيلم)
رغم إنتاج مئات الأفلام المصنفة تحت قائمة الرعب كل عام، إلا أنه أصبح من النادر أن تصادف فيلم مرعب متكامل العناصر وبجودة عالية، وستجد الغالبية العظمى من تلك الأفلام التي تندرج تحت هذا التصنيف مقززة ومثيرة للاشمئزاز أو أفلام خيالية وغير واقعية، لذلك انتابني شعور بالسعادة بعد أن انتهيت من مشاهدة "لا تتنفس.. Don't Breathe"، وكأن هذا الفيلم هو ما كنت أبحث عنه بالتحديد، إنه ليس فقط من أفضل أفلام الرعب التي شاهدتها منذ فترة ليست بالقليلة ولكنه أيضًا من أفضل الأفلام التي شاهدتها هذا العام.
"لا تتنفس" هو عبارة عن رحلة في عالم تسوده أجواء من التشويق المستمر الذي لا يتوقف إلا عند آخر ثانية بالفيلم، حيث تبدأ هذه الرحلة بمشهد عبقري يثير الفضول لدى المشاهد لرجل يجر امرأة من شعرها في منتصف الشارع ذاهبًا بها إلى مكان ما وذلك قبل أن يكشف الفيلم عن أحداثه البسيطة والمثيرة لثلاثة أصدقاء _ شابين وفتاة _ اعتادوا اقتحام المنازل بغرض سرقتها في محاولة الحصول على غنيمة جيدة تمكنهم من مغادرة مدينة "ديترويت" والرحيل إلى ولاية "كاليفورنيا"، ومن ثم يخططون لاقتحام أحد المنازل في محاولة لسرقة مئات الآلاف من الدولارات تنتظرهم داخل منزل في مهمة تبدو سهلة على حد اعتقادهم، حيث يسكن هذا المنزل شخص واحد فقط لديه كلب يؤانس وحدته، ولكن ما زاد حماسهم أكثر لإنجاز هذه المهمة هو أن هذا الرجل كفيف، فهو جندي سابق فقد بصره في حرب أمريكا على العراق، كما يبدو بوضوح بأنه في مرحلة عمرية متقدمة، ولكن لا يعد كهلًا أيضًا، كل هذا بالإضافة إلى عدم وجود منازل مأهولة بالسكان في محيط هذا المنزل، وبالفعل يقتحم الثلاثة المنزل بعد أن قاموا بتخدير الكلب بكل سهولة بواسطة قطعة لحم، وبالفعل يجدون أموالًا اكثر حتى مما كانوا يعتقدون لكنهم وعلى عكس جميع التوقعات يجدون أنفسهم في موقف مرعب وخطير عندما يكتشفون أن هذا الرجل وبالرغم من إعاقته، إلا أنه شخص ذكي جدًا وسريع البديهة والحركة داخل نطاق المنزل الذي يعيش فيه منذ سنوات، وبمرور الأحداث يكتشفون أيضًا أن لديه أسرار أخرى بجانب المال تجعله على أتم استعداد لقتل أي شخص حتى لا تنكشف تلك الأسرار، يتمكن الرجل من محاصرة هؤلاء الأصدقاء داخل أسوار المنزل ويطاردهم بلا هوادة ويبث في قلوبهم الرعب بمساعدة كلبه بعد أن يستفيق من غيبوبته، ويحاول الثلاثة الهروب من المنزل بشتى الطرق غير عابئين حتى بالهدف الأساسي لاقتحامهم المنزل وهو المال.
تمكن الفيلم من التلاعب بإخلاص وولاء المشاهد للشخصيات حين يبدل ويغير الأدوار التقليدية التي تدور حول فكرة اقتحام المنازل بشكل عام، فعندما تبدأ في متابعة أحداث الفيلم الذي يتحدث عن مجموعة شباب قاموا باقتحام منزل يعيش به رجل كفيف بغرض سرقة أمواله، فبالتأكيد ومنذ الوهلة الأولى ستعتقد بأنهم أشرار مزعجون، سيقومون بتعذيب وترهيب وتهديد وربما قتل هذا الشخص المسكين إذا حاول التصدي لهم ولكنك ستكتشف لاحقًا مع مرور الوقت أنك أنت المسكين، وستعلم أن هؤلاء اللصوص قد اختاروا المنزل الخطأ لاقتحامه، وستشفق عليهم بل وستدعو لهم بأن يخرجوا من هذا المنزل سالمين، وذلك عندما يكشف لك الفيلم أن هذا الشخص الأعمى وفي مثل هذا العمر المتقدم هو المرعب وهو المجرم وهو الذي يهدد حياة هؤلاء اللصوص الأبرياء بل ومع مرور الوقت أكثر فأكثر ستكتشف بأن أسلوب هذا الشخص الإجرامي ليس وليد اللحظة وغير ناتج فقط عن مداهمة هؤلاء الأشخاص لمنزله بل ستتأكد بأنه مجرم متمرس عتيد الإجرام، ولكن المثير للإعجاب في هذه النقطة بالتحديد وبالرغم من أن تلك المطاردة تبدو خيالية ولا يمكن تصديقها، ولكنك لن تشعر أبدًا بتلك اللاواقعية عند مشاهدتك للفيلم وستبدو الأحداث طبيعية جدًا، بل وسيبدو أسلوب مطاردة الرجل الكفيف لهؤلاء الشباب منطقيًا تمامًا ويمكن تصديقه.
من الناحية الفنية أعتقد بأن "لا تتنفس" هو من أنقذ موسم الصيف الهوليوودي هذا العام، أما من ناحية الإيرادات فقد نجح الفيلم عن استحقاق منذ بداية عرضه ولمدة أسبوعين كاملين باعتلاء قائمة الـbox office كأكثر الأفلام تحقيقًا للإيرادات، ليزيح فيلم Suicide Squad عن الصدارة غير المستحقة والفضل في ذلك يعود إلى التسويق الجيد، عندما قامت الشركات المنتجة بإدراج الفيلم تحت تصنيف أفلام الرعب، حيث أنه التصنيف الأكثر شعبية لدى الجماهير في جميع أنحاء العالم، ويعتبر بمثابة مغناطيس كبير يجذب إليه كل من يمر بجوار السينما.
هاجم البعض هذا الأسلوب في التسويق باعتبار أنه ليس إلا مجرد خدعة للحصول على إيرادات كبيرة، متعللين بكون الفيلم بعيدًا كل البعد عن المفاهيم المتعارف عليها في أفلام الرعب، ما جعلهم يدرجون الفيلم في قائمة أفلام التشويق والإثارة، بدلًا من قائمة أفلام الرعب، إلا أن كمية التشويق والإثارة التي شاهدناها في هذا الفيلم يمكنها أن تصل إلى مرتبة الرعب في تقييم بعض المشاهدين، الذين أنتمي إليهم وأؤمن تمامًا أن الفيلم كان مرعبًا حقًا، كما أن أحداثه المنطقية والتي من الممكن أن تحدث في الحياة الواقعية جعلت منه فيلمًا أكثر رعبًا، فليس من المفترض أن يتضمن الفيلم أشباحًا أو شياطين أو مصاصين دماء أو أساليب مختلفة من التعذيب أو الكثير من الدماء الملطخة لكي يتم تصنيفه في النهاية كفيلم رعب.
العنصر الرئيسي الذي يجعل من الفيلم مرعبًا فعلًا هو صناعة تلك الأجواء التي تجعل المشاهد يعيش في حالة من الخوف أو الترقب، وهذا بالتحديد ما نجح فيه المخرج فيدي الفاريز بامتياز، حيث استطاع أن يبرهن مرة أخرى على أنه واحد من كبار المختصين في توجيه وإخراج أفلام الرعب، بعد الظهور الأول له في عام 2013 عندما أبدع في إعادة تخيل فيلم الرعب الكلاسيكي Evil Dead، ليظهر لنا المخرج المتميز هذه المرة في عباءة جديدة ومختلفة تمامًا مع فيلم Don’t Breathe باحثًا بشتى الطرق عن بث الرعب في قلوب المشاهدين، باستخدام التوتر المنطقي والقلق الواقعي، وبالرغم من أن الحوارات بالفيلم كانت قليلة جدًا وهذا في حد ذاته كان تحدي صعب للمخرج إلا أنه استطاع أن يجتاز تلك العقبة بكل احترافية عن طريق توجيه زوايا الكاميرات بطريقة مدهشة، وكأن الكادرات هي من يتحدث، لقد أعجبني Evil Dead وأعجبني بشكل أكبر Don’t Breathe وأتطلع بشدة إلى مشاهدة الفيلم القادم لهذا العبقري على ألا يبتعد عن طريق الرعب لأنه حقًا متميز في هذا المجال.
مفتاح نجاح العمل الرئيسي هو البساطة في تجسيد نص الرواية المكتوب بإحكام، بالإضافة إلى التصوير السينمائي البارع مرورًا بالأداء المتميز لجميع الشخصيات خاصةً من ستيفن لانج، الذي جسد شخصية الرجل الضرير المختل نفسيًا، كل هذه العوامل أدت في النهاية إلى هذه النتيجة العظيمة، ولكني لا أرشح أبدًا فكرة إنتاج جزء ثانِ سيكون مصيره الفشل بنسبة كبيرة.
بشكل عام الفيلم يعتبر مفاجأة سارة لعشاق أفلام الرعب فلن تشعر بالملل على الإطلاق، وإذا كنت من المشاهدين الذين يستمتعون بحالة القلق والتوتر التي تصيبهم عند مشاهدة أفلام الرعب مثلي تمامًا، فأنك بالتأكيد ستحب هذا الفيلم ولكن تذكر جيدًا بأن تحبس أنفاسك ولا تحرك ساكنًا أثناء المشاهدة حتى لا يشعر الرجل الضرير بوجودك.