عندما أتذكر النجم محمد سعد في أفلامه الأولى التي أطلّ علينا من خلالها، وقدرته على انتزاع ضحكاتنا ببراعة حين يُطلق لوازمه المختلفة في شخصيته الأثيرة "اللمبي"، أو شخصياته الناجحة الأخرى مثل: "بوحة" و"أطاطا"، ابتسم رغمًا عني وأتذكر بالتبعية رهاني عليه أن صعوده سيتواصل دون كلل، وأن قدرته على إثارة ضحكنا لن تتوارى، فهو كوميديان بارع لن نحتاج لجهد كبير كي نكتشف براعته؛ فكان كل ما استخلصناه من دلالات حينها، لا يحيد كثيرًا عن تلك التوقعات الإيجابية، فرجل قدّم إلينا اللمبي و"رياض المنفلوطي" و"عوكل" و"أطاطا" و"بوحة"، ماذا سننتظر منه سوى أن يُهلكنا ضحكًا في أعماله القادمة؟
ثم تشرع تصوراتنا في الاختلال مع أعمال محمد سعد التالية، فبدأنا نعهد الاستسهال الواضح في أفلامه تدريجيًا، وبدأ الارتجال يسيطر على كل عمل عن ذي قبله، ولا جديد يسعى النجم – الذي أبهرنا جميعًا بأعماله الأولى – في تقديمه، فقط شخصيات يحاول ابتكارها بعيدة كل البُعد عن جودة شخصياته الأولى، وارتجالات حركية لا مغزى لها سوى ملئ أوقات الفيلم، وعشوائية تفعم كل شيء، حتى بلغنا مرحلة أنه لا مغزى من الفيلم ذاته سوى الوجود لا أكثر!
وليست المشكلة في التحول المثبط لتوقعاتنا الإيجابية بأداء نجم أضحكنا جميعًا وأحببناه منتظرين جديده، فكل نجم يتعثر ولكل جواد كبوته، بل كبواته المتعددة حتى، لكن المعضلة الحقيقية في إصرار نجمنا على الانحدار وكأنه مَسعاه! فنحاول أن نستفيق من أزمتنا بعمله الأخير، ليجود علينا بعمل تالي لا يمهلنا التقاط أنفاسنا، وتدور بعقلك التساؤلات: لماذا يفعل هذا؟ ألا ينتبه لانخفاض المعجبين بأعماله؟ ألا يستمع للتعليقات المهينة التي تُرمَى بها أعماله؟ ألم يدرك بعد أن مستوى أعماله اختلف وأن عشاقه سئِموا إحباطه لهم؟ ألا يحزنه اهتزاز مكانته في قلوب محبيه؟ لماذا يُصِّر على الانحدار أكثر في كل مرة؟.. وأسئلة عديدة لا جواب لها سوى الحيرة المُطلَقة.
وبعد كوارث سينمائية شهدناها في أفلام مثل: "تك تك بوم" و"تتح" و"حياتي مبهدلة"، وفي موسم يشهد منافسة ضارية بين أفلام العيد، يختار نجمنا أن يقدم لنا فيلمه "تحت الترابيزة"، والذي يتبارى مع أعماله الأخيرة في مقدار كارثيتها، ويتفوق بسهولة تامة، فحتى وإن كانت أعجبتك بعض لوازم شخصية "تتح"، أو اسكتش بعينه من "تك تك بوم"، فلن تجد هذا أو ذاك في فيلمه الجديد!
في المجال السينمائي، هنالك التعبير الشائع الذي نلجأ إليه في وصف فيلم مَعيب بقصته، فنقول: "حبكة الفيلم بها ثغرات".. لنجد فيلم "تحت الترابيزة" يشتق لنفسه وصفًا جديدًا يلائم قصته تمامًا، إن وُجدَت.. فالوصف الأمثل لمحصلة أحداث الفيلم، هو أنه مجموعة من الثغرات والفجوات التي تحاول جاهدًا أن تجد بينها قصة للفيلم! فيمكنك عكس التعبير الشائع أن تقول "ثغرات الفيلم قد يكون بها قصة"! فالفيلم يعج بأحداث ومناورات عجيبة لا خلفيات تفهمها لها، وعشوائية في مجريات الأمور لا تصطبغ بأي منطق، في قصة يفترض فيها صناعها الجدية وأن تصدق ما تراه! فضلًا عن تحولات الأحداث والتي فاقت في هزليتها وسردها مسلسلات الأطفال الرديئة.. والارتجال في كل شيء، وإقحام كل ما لذ وطاب لصناع العمل إقحامه دون خلق دوافع أو مبررات أو حتى نكات تقنع المشاهد بها، وأكرر أن صناع الفيلم يفترضون الجدية التامة في قصتهم والتفافاتها، فمن أين لهم بغياب حبكة طبختهم لهذه الدرجة؟!
أما عن الضحك، فحين أتذكر قهقهات المُشاهدين في قاعة السينما أثناء ضرب بوحة للست "حلويات" و"كوتة" وارتجاج أجساد البعض ضحكًا من جنون المشهد، وأقارنها بمُشاهدين "حنكو" في فيلم "تحت الترابيزة"، وهم يتأففون لطريقته المزعجة في قطع حديثه بصيحاته العجيبة التي لا مبرر لها سوى ظَن محمد سعد بأنها مضحكة، أو مللهم من تكراره لفظة "هوي" التي لا تجلب حتى ابتسامة خجلة، حين أقارن بين هذه الحالة وتلك، أدرك أن نجمنا فقد حتى لوازم الشخصية التي قد تُبقى على شيء جيد ضيئل لمُشاهدينه في فيلم سيء، لكنه حتى يختار أن يفقد مثل هذه السمة بشخصية مزعجة في كل تفاصيلها مثل "حنكو".. هذا فضلًا عن إفيهات سخيفة ومشاهد من المستحيل أن يضحك لها شخصًا في زمننا هذا، مثل مشهد سقوط منة فضالي بينما تركض على المَشَّاية، هل يعتقد صُناع الفيلم أن مشهد مثل هذا قد يُضحِك مشاهد في عام 2016؟
كذلك ستجد الدراما المبتذلة التي لا مكان لها والتي تحشر جسدها حشرًا في مواقف لا تستدعيها بالمرة، ولكنها وُجدَت فقط لأن صناع الفيلم يرون أن الدراما واجب، حتى وإن كانت مقحمة مبتذلة؛ إذًا فعليك أن تشاهد وتدمع لحنكو في صراعه النفسي العتيد بين أن يعترف بشخصيته الحقيقية لزوجته وابنته أو أن يتكتم عليها، لكن ابنته تلهو معه وعاطفة الأبوة تشعل نيرانها في روحه، لكنه سيتكتم ويبكي قليلًا حين اختلائه بنفسه! وهذا مع علمك بأن وجود "حنكو" أصلًا لا منطق له يبرره، لكن الدراما واجبة كما ذكرنا سلفًا.
مع قصة وأحداث بهذا الاستسهال، لن يحتاج الإخراج لكثير من الكلام، لكن بصمته لم تغادر الأداءات التمثيلية أيضًا، منة فضالي دورها يكاد يكون هامشي، حسن حسني يحزنك وجوده أكثر مما يسعدك، فأنت بسهولة تدرك أنه موجود لمجرد الوجود لا أكثر، هو لم يقدم شيئًا سوى أن يكون رد فعل لحظي لكل ما يصدر عن بطل الفيلم وكفى! نرمين الفقي في دور قَصَّد به صناع العمل أن تستثمر فيه جمالها لا أكثر، فدورها لم يتجاوز كونها جميلة تستعرض جمالها، وربما يفسر هذا مساحة دورها المعقولة بين الأدوار الاخرى بالفيلم.
بعد متسلسلة هذه العناصر السلبية، كان منطقيًا ومُرضيًا بذات الوقت أن يحصد الفيلم أقل الإيرادات بمنافسة الموسم، ولعله ضوء أحمر ينجح هذه المرة في إنذار نجمنا بأنه لا بد وأن يتئد ليدرك مكمن المشكلة، وأن ما يفعله لا يروق من أحبوه وانتظروه، خاصًة وأنه يملك القدرات التي تُغنيه عن أعمالٍ بهذه الهشاشة والاستسهال.
فيلم "تحت الترابيزة" سيء للغاية، لن تجد بين عناصره عنصر إيجابي وحيد يخفف عليك وطأة ردائته، أو يهوّن مرارة مدة عرضه عليك، لا عنصر واحد في الفيلم سُينسيك محاولتك جاهدًا أن تبحث تحت الترابيزة، أو فوقها، وحتى بمحيطها، فلم تجد شيئًا!