بعد مشاهدة فيلمي زنقة ستات وكدبة كل يوم، تأكدت تمامًا مثلما قلت من قبل في مقالتي عن (زنقة ستات) أن المخرج خالد الحلفاوي يمتلك قدرات إخراجية فائقة في التعامل مع الكوميديا التي تحمل في داخلها الكثير من الصعوبات الخاصة بها كنوع سينمائي، وعلى رأس هذه الصعوبات هو التوقيت الملائم لتقديم الجملة المضحكة أو متى يبدأ ومتى ينتهي الموقف الكوميدي.
وفي فيلم "عشان خارجين"، يعود الحلفاوي ليقدم ما يبرع فيه، كما يجدد التعاون مع رفيقي نجاحه في عمله اﻷول حسن الرداد وإيمي سمير غانم ليحملا الجزء اﻷكبر من عبء الفيلم على كاهلهما، ومع فكرة جيدة تحاول بقدر اﻹمكان الاستفادة من الكيمياء التي جمعت بينهما في أعمال سابقة.
يبدو الاختلاف واضحًا في هذا الفيلم عن "زنقة ستات"، من حيث قيامه بـ"فرشة" أحداث الفيلم خصيصًا من أجل إبراز الثنائي أكثر وأكثر، وتصديرهما كأبطال رئيسيين للحكاية برمتها وبدون إضافة الكثير من الشخصيات المساندة والاعتماد على خفة ظلهما الفطرية، خاصةً مع دخولهما في مطاردة طويلة لا يستوعبان كل أطرافها وتفاصيلها بدءًا من خطأ غير مقصود.
مرة أخرى، لا يطلب "الحلفاوي" من مشاهديه الاقتناع بمنطقية الحكاية أو الاقتناع بنقطة بدايتها التي تأتي بمحض الصدفة، بل كان جل ما يطلبه هو أن يجاريه المشاهد فيما يقدمه لحظة بلحظة، فمع كل موقف جديد تتسع لديه المساحة لكي يستخدم عدد من اﻷدوات الفنية سواء التي يتيحها له سيناريو الفيلم أو التي تتطلبها الرؤية اﻹخراجية، فاﻷمر يشبه وكأن بحوزة المخرج حقيبة إكسسوارات كاملة يخرج منها في كل مرة ما يحتاجه لهذا الموقف أو ذاك بدون الاعتماد على اﻹيفيهات اللفظية فقط.
من ضمن اﻷدوات المفضلة لـ"الحلفاوي" في الكوميديا هي استغلال تشابه بعض المواقف الكوميدية في فيلمه مع مواقف كوميدية شهيرة، فيحول مواقفه إلى محاكاة ساخرة، وهو ما يحدث بعد معرفة "رمزي الدسوقي" و"ليلى مراد" بما تحتويه الحقيبة التي تُترك على طاولتهما في المطعم، فيتحول الموقف إلى تقليد ﻹفيهات عادل إمام الشهيرة من فيلم "بخيت وعديلة": "إنتِ رزمة وأنا رزمة!" أو "إنتِ عايزة اللي يربيكي!" مع محاكاة طريقته في قولها، أو حين يدخل البطل في حلم طويل ما هو إلا محاكاة ساخرة للقطات شهيرة من فيلم "قبضة الهلالي" الذي كان يشاهده رمزي في وقت سابق من اﻷحداث وهو بين الصحو والنوم.
كما تتحول الملابس وباروكات الشعر وتصفيفات الشعر المختلفة على يد "الحلفاوي" إلى أداة فعالة لتوليد الكوميديا مثلما رأينا في المشهد الذي يرتدي فيه "رمزي" و"ليلى" ملابس ميني ماوس ويرتدي والدها ملابس بطوط في حفلة اﻷطفال، أو في مشاهد متفرقة أخرى مثل مشهد المدرسة أو مشاهد الملهى الليلي.
يلجأ المخرج أحيانًا إلى اﻹكسسوارات المصاحبة في موقع التصوير مثل تطويعه للمكتبة كوسيلة للاختباء أو لكرات البلياردو كوسيلة عقابية لعقاب "رمزي" على إخفاقه في المهمة الموكلة إليه.
وتكاد في كل منحى لا تعدم تعدد الوسائل التي يلجأ إليها "الحلفاوي"، لكن هذه المرة يقيده النص نفسه في أكثر من مرة، فالاهتمام بالمواقف الكوميدية على حساب الشخصيات قد أدى إلى تضارب تقديمها وتفاصيلها، فنحن لم نفهم بالضبط من أين يكافح رمزي في العيش ويخاف من العمل بعيدًا عن منزله حتى لا يضطر لركوب الميكروباصات بينما هو أصلًا يعيش في نفس الوقت في شقة أنيقة مليئة حتى آخرها باﻷثاث.
وفي المواقف الكوميدية نفسها، لا تأتي الحلول الدرامية لها على نفس الدرجة من الكفاءة، فقد تأتي بحلول عرجاء أو منقوصة أو دخيلة، وهو ما كان يؤثر على كفاءة الموقف ككل.
وعلى الرغم من مشاكل العمل، إلا أن هذا لا ينكر طرافة وخفة ظل الثنائي "الرداد" و"إيمي" على الشاشة في كل مرة يظهران فيها معًا في الشاشة، خاصة حين يعمل مع مخرج يعرف خبايا الكوميديا، لكنه يحتاج في المرة القادمة لنص مصاغ ومحكم في مواقفه ومؤسس لشخصياته على نحو أفضل.